الوضع في أوكرانيا يعكس مدى تدهور الأوضاع الأمنية بأوروبا
إمكانات هائلة غير مستغلة مع مصر يجب علينا استكشافها وإدراكها
جهودنا لتسوية النزاع مع أذربيجان تضيع سدى بسبب تراجعها عن الاتفاقيات
خلال العام الأخير، شهد العالم العديد من التغيُّرات والتحركات التي ترسم عالمًا بشكل جديد، تختلف فيه خريطة القوى الدولية عمّا سبق، وكانت الحرب الروسية الأوكرانية هي الحجر الذي حرك المياه الراكدة، والذي لا يزال يتحرك، وبناء على ذلك، تحركت العديد من الدول تجاه الشرق الأوسط؛ لتعزيز علاقاتها لحجز مكان في الخريطة الجديدة، وكان من بين تلك التحركات، زيارة أرارات ميرزويان، وزير الخارجية الأرميني، إلى المنطقة، وخصوصًا مصر.
أجرى موقع «القاهرة الإخبارية» حوارًا مع الوزير الأرميني، تحدث فيه عن طبيعة العلاقات بين يريفان وبين مصر والشرق الأوسط بشكل عام، كما تحدث عن تأثير الحرب الأوكرانية على بلاده، فضلًا عن الأزمة الكبيرة لبلاده مع أذربيجان؛ بسبب إقليم ناجورنو كاراباخ، وإلى نص الحوار:
ما طبيعة العلاقة بين مصر وأرمينيا؟ وماذا ستخبئ الأيام المقبلة من هذا التعاون؟
العلاقات بين الدولتين الأرمينية والمصرية، هي في الأساس، علاقات ودية تاريخية، فلطالما لعب مواطنونا دورًا مهمًا في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في مصر منذ العصور الوسطى، وخلال الحرب العالمية الأولى، كانت مأوى آمنًا لهم من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية، وبناءً على هذه العلاقات، أظهر البلدان الرغبة والالتزام لمواصلة تطوير العلاقات الثنائية على مستوى الدولة، خلال العقود الثلاثة الماضية، منذ استقلال جمهورية أرمينيا، قمنا بتطوير علاقات وثيقة مع جمهورية مصر العربية، والتي كانت تنمو وتتوسع باستمرار.
كان هذا العام مهمًا للغاية في العلاقات الثنائية وخاصة فيما يتعلق بالحوار السياسي، بدءًا من زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التاريخية إلى أرمينيا في يناير، في وقت سابق من العام الجاري، مرورًا بزيارة الرئيس الأرميني، فاهاجن خاتشاتوريان، لمصر لحضور مؤتمر COP-27في مدينة شرم الشيخ، وصولًا إلى حضوري إلى القاهرة، في وقت سابق من الشهر الجاري، على هامش دورة مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، إذ أتيحت لي الفرصة لمناقشة أسئلة المصالح المشتركة مع نظيري المصري، الزميل سامح شكري.
وخلال زيارتي الأخيرة للقاهرة، كنت فخورًا بإشادة الشخصيات السياسية والزعماء الدينيين في مصر، بالمساهمة الكبيرة التي تقدمها للجالية الأرمينية في تقدم مصر وتنميتها، وهناك استعداد لدى الجانبين لزيادة تعميق تعاوننا، بما في ذلك في مجال الاقتصاد، ومن المقرر عقد الجلسة القادمة للجنة الحكومية الدولية الأرمينية المصرية، إلى جانب منتدى الأعمال، في وقت لاحق من هذا العام، ونأمل أن تحمل العديد من النتائج الملموسة، كما تم بالفعل تنظيم منتدى أعمال بين منظمي الرحلات السياحية الأرمينية والمصرية في القاهرة في فبراير، ومن المُتوقع أن يعقد المنتدى التالي في يريفان، نحن مقتنعون بأن هناك إمكانات هائلة غير مستغلة مع مصر يجب علينا استكشافها وإدراكها.
وماذا عن التعاون السياسي مع العالم العربي؟
تولي يريفان أهمية كبيرة لعلاقاتها مع العالم العربي؛ بسبب القرب الجغرافي والروابط التاريخية والثقافية ووجود الجاليات الأرمينية الكبيرة في الدول العربية، بالإضافة إلى قضايا الأمن الإقليمي، فلطالما كانت علاقات أرمينيا مع الدول العربية مبنية على الاحترام المتبادل والصداقة الصادقة، ومن مظاهر ذلك مشاركتي وكلامي الذي ألقيته خلال دورة مجلس جامعة الدول العربية، كما ذكرنا أعلاه، إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي يلقي فيها وزير خارجية أرمينيا كلمة، خلال الدورة الوزارية لجامعة الدول العربية، وبالطبع، تم اتخاذ مثل هذا القرار داخل جامعة الدول العربية بإجماع جميع الدول الأعضاء، وهو ما يُشير بالفعل إلى تفاهم سياسي مُعين بين أرمينيا وجميع أعضاء الجامعة.
وتلتزم أرمينيا التزامًا صادقًا بمواصلة تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع جميع الدول العربية، نلاحظ نهجًا مُشابهًا من جانب الشركاء، ونعتقد أنه لا توجد عقبات كبيرة في طريقنا، من المهم بالنسبة لنا أن نكون مفهومين جيدًا بين أشقائنا العرب وألا نسمح لأي تكهنات من قبل أطراف ثالثة بأن تلقي بظلالها على علاقاتنا التي تعود إلى قرن من الزمان.
ما تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على أرمينيا؟
يُظهر الوضع في أوكرانيا بوضوح تدهور "الأوضاع الأمنية" في أوروبا، وأعتقد أنه أصبح واضحًا لأول مرة في عام 2020 عندما ظل الكثيرون غير مبالين بحقيقة أن أذربيجان شنت حربًا واسعة النطاق ضد شعب ناجورنو كاراباخ، في محاولة لحل الصراع باستخدام القوة، إن عدم وجود إدانة لاستخدام القوة من قبل المجتمع الدولي أوصلنا إلى الحالة التي يواجهها العالم بأسره الآن.
علاوة على ذلك، منذ فبراير 2022، عندما تركز الاهتمام كله على التطورات في جميع أنحاء أوكرانيا، تستخدم أذربيجان القوة بشكل مُتكرر، وكان أوضح مثال على ذلك في سبتمبر من العام الماضي، عندما شنت القوات المسلحة الأذربيجانية عدوانًا غير مبرر على جمهورية أرمينيا، مُنتهكة بذلك السلامة الإقليمية، واحتلت أكثر من 140 كيلومترًا مربعًا من الأراضي السيادية لبلدي، لذا أعتقد أن قواعد معينة، لا سيما الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة، واحترام السيادة والسلامة الإقليمية، يجب أن يتبعها الجميع.
وماذا عن استعداد أرمينيا لتكثيف الحوار مع أذربيجان لتطبيع العلاقات الثنائية؟ ما هي القضايا المحددة التي تتم مناقشتها؟
بعد الحرب في عام 2020، انخرطت الحكومة الأرمينية على مدى العامين الماضيين- التي تمتلك الإرادة السياسية لإيجاد سلام حقيقي دائم وشامل في منطقتنا- في محادثات مع أذربيجان بحسن نية، وهناك مسارات منفصلة للمفاوضات، أبرزها، فتح جميع اتصالات النقل في المنطقة، وترسيم الحدود، وأمن الحدود، إلى جانب معاهدة إقامة علاقات سلمية بين أرمينيا وأذربيجان.
وفيما يتعلق بقضية الربط، موقفنا واضح، أرمينيا مُستعدة لفتح جميع الاتصالات في نفس اللحظة التي تقبل فيها أذربيجان، إن الطرق يجب أن تعمل تحت سيادة وسُلطة الدول التي تمر عبرها، وفيما يتعلق بترسيم الحدود، للأسف، بعد شهور من إنشاء لجان ترسيم الحدود في عام 2022، لم تكتف أذربيجان بإثارة مطالبات إقليمية جديدة فحسب، بل شنت أيضًا غزوًا آخر للأراضي السيادية لجمهورية أرمينيا، ثم حاولت تبرر عدوانها بحجة زائفة مفادها أن الحدود ليست محددة.
وفيما يتعلق بالاتفاق على إقامة علاقات سلمية، ينبغي أن أذكر أنه منذ ديسمبر 2022 تبادلنا المقترحات بشأن مسودة المعاهدة، وحاولنا المضي قدمًا في العملية لإيجاد حلول عادلة للقضايا الجوهرية.
ومن بين اقتراحات أرمينيا، توضيح معايير ترسيم حدود الدولة، إذ نعتقد أنه بدون معايير متفق عليها بوضوح بشأن ترسيم الحدود الدولية بين أرمينيا وأذربيجان، لا يُمكن للبلدين تحديد وحدة الأراضي التي تعترفان بها بشكل متبادل، وهذا يؤدي إلى قتال آخر بدلًا من إحلال السلام.
هناك ضرورة ملحة لإبعاد القوات عن حدود الدولة وإنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول الخط الحدودي، كإجراء لبناء الثقة وآلية أمنية، مما يساعد على ضمان منع أي تصعيد محتمل في المستقبل، إن المعاهدة يجب أن تنشئ آلية للضمانات، والتي ستكفل تنفيذ الالتزامات، فضلًا عن تحديد طرق حل التفسيرات الخاطئة والنزاعات المحتملة، كل هذا إلى جانب خلق آلية دولية، كعنصر رئيسي، لمعالجة قضايا حقوق وأمن أرمن ناجورنو كاراباخ.
لكن لسوء الحظ، لا تُقابل جهودنا فقط بالرفض والتطرف من جانب أذربيجان خلال المفاوضات، ولكن أيضًا الإجراءات العدوانية على الأرض على الرغم من المفاوضات الجارية، في الآونة الأخيرة، في أعقاب انتهاكات وقف إطلاق النار في 2-3 مارس، قُتل ثلاثة جنود من شرطة ناجورنو كاراباخ في ممر "لاتشين" في 5 مارس؛ نتيجة لكمين مُخطط مسبقًا من قبل أذربيجان، وهذه الممارسات تُؤكد عدم صدق نهج باكو في عملية التطبيع، وكذلك اللجوء المستمر إلى استخدام القوة.
واستكمالًا لهذه الممارسات، تتراجع أذربيجان بانتظام عن الاتفاقات، وتواصل خطاب الكراهية والعنصرية تجاه الأجانب، وكذلك ترفض حل القضايا الإنسانية، مثل إطلاق سراح 33 أسير حرب أرمينيًا ما زالوا محتجزين كرهائن في أذربيجان، ولا يزال مصير العديد من الأرمن مجهولًا، وقد قدمنا إلى المنظمات الشريكة لنا حالات الاختفاء القسري، كما يواجه التراث الديني والثقافي الأرمني، الواقع تحت السيطرة الأذربيجانية في عام، تهديدًا وشيكًا بالمحو التام، كل هذا يُشكل تحديًا للجهود المبذولة لتحقيق سلام واستقرار دائمين في المنطقة بأسرها.
ما الحل من وجهة نظرك فيما يخص حصار ممر "لاتشين"؟
في البداية، يُعد الحصار الذي تفرضه أذربيجان على ممر "لاتشين" انتهاكًا صارخًا للبيان الثلاثي الصادر في 9 نوفمبر 2020 والذي ينص على أن أذربيجان "ستضمن الحركة الآمنة للمواطنين والمركبات والبضائع في كلا الاتجاهين على طول ممر لاتشين".
قد يعتقد المرء أن قرارًا ملزمًا قانونًا لمحكمة العدل الدولية، والذي تم تبنيه في 22 فبراير، كان من الممكن أن يحل الموقف، إذ أمرت محكمة أذربيجان باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان التنقل دون عوائق على طول ممر "لاتشين"، ولكن ومن المؤسف أن القرار لم ينفذ حتى الآن.
علاوة على ذلك، أود أن أؤكد أن ممر "لاتشين" ليس مجرد طريق، ولكنه منطقة أمنية بطول 5 كيلومترات، وبالتالي، فإن الهجوم التخريبي الذي وقع في 5 مارس في ممر لاتشين، والذي أشرت إليه سابقًا، لم ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار فحسب، بل انتهك أيضًا خط التماس والمنطقة الأمنية للممر.
في الظروف الحالية، أود أن أؤكد على ضرورة المشاركة الدولية القوية والضغط على أذربيجان؛ لتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية ورفع الحصار، دأبت أرمينيا على الدعوة إلى إيفاد بعثة دولية عاجلة لتقصي الحقائق إلى ناجورنو كاراباخ وممر "لاتشين"؛ لتقييم الوضع على الأرض، كما أنه ليس سرًا أن اقتراحًا مثل هذه البعثة قد قوبل بالرفض المتكرر من قبل الجانب الأذربيجاني، مما يظهر بوضوح عدم رغبة القيادة الأذربيجانية في أن تكون شفافة وخاضعة للمساءلة أمام المجتمع الدولي.
هل هناك حوار أو تحرك دولي أخير بشأن قضية ناجورنو كاراباخ؟
بالتوازي مع إغلاق ممر لاتشين، الطريق الوحيد الذي يربط ناجورنو كاراباخ بأرمينيا، وخلق أزمة إنسانية داخل الإقليم لأكثر من ثلاثة أشهر، تواصل أذربيجان ترويع أرمن "كاراباخ"، من خلال تهيئة ظروف لا تطاق للعيش في وطنهم بهدف "التطهير العرقي"، إلى جانب الأزمة الإنسانية، تسببت أذربيجان أيضًا في أزمة طاقة في ناجورنو كاراباخ، في ظروف الشتاء الباردة، عرقلت السُلطات الأذربيجانية بشكل متكرر واستمرت في قطع إمدادات الغاز والكهرباء.
لقد أثبتت تصرفات أذربيجان وكذلك الخطاب العدواني والمتطرف، الضرورة المطلقة للمشاركة الدولية لمعالجة قضايا حقوق وأمن شعب ناجورنو كاراباخ، وكذلك لمنع محاولات أذربيجان الواضحة الهادفة إلى التطهير العرقي في "كاراباخ"، يجب أن يكون موقف المجتمع الدولي، بما في ذلك شركاؤنا وأصدقاؤنا في العالم العربي، واضحًا ضد أي رواية أو أفعال ترتكب إبادة جماعية أخرى، ولا يستطيع النظام الدولي تحمل فشل آخر من هذا القبيل.
في الختام، أود أن أقول إنه على الرغم من كل المخاطر وهشاشة الوضع في جميع أنحاء بلدي، لا تزال أرمينيا مصممة على تقديم مساهمتها في خلق منطقة مستقرة، حيث تحلم أجيالنا بالعيش في سلام.