وسط ما يعانيه العالم من عثرات اقتصادية تؤثر على كل مناحي الحياة، لا سيما ارتفاع معدلات البطالة ومعدلات الفقر، تأتي المبادرة المصرية "حياة كريمة" إحدى أهم المبادرات الدولية، التي تستهدف توطين أهداف التنمية المستدامة بالمجتمعات الريفية، في ضوء أن أهداف المبادرة تتلاقى مع العديد من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وبالتالي، يبقى السؤال هنا.. ما أبعاد تدهور الأوضاع العالمية، وما الانعكاسات الدولية لمصر من المبادرة؟
استمرار التدهور العالمي:
يشهد النشاط الاقتصادي العالمي تباطؤًا واسعًا فاقت حدته التوقعات، فقد ثبت صندوق النقد الدولي في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، الصادر في 31 أكتوبر 2022، توقعاته لمعدل النمو العالمي في عام 2022، مع توقعاته في يوليو 2022، عند 3.2%، بينما سيتراجع لاحقًا إلى 2.7 في المئة عام 2023، وهو ما يمثل انخفاضًا قدره 0.2 نقطة مئوية عن توقعاته يوليو 2022، مع وجود احتمالية بنسبة 25 في المئة لتراجعه دون 2 في المئة، فيما يمثل أضعف أنماط النمو على الإطلاق منذ عام 2001، باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية والمرحلة الحرجة من جائحة كوفيد-19.
كما سيشهد أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي حالة من الانكماش في العام الحالي أو المقبل، مع استمرار تباطؤ النشاط في أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.
هذا وقد تجاوزت معدلات التضخم مستوياتها المسجلة خلال عدة عقود سابقة، فمن المتوقع أن يرتفع التضخم العالمي من 4.7 في المئة، عام 2021 إلى 8.8 في المئة بعام 2022، ليتراجع لاحقًا إلى 6.5 في المئة عام 2023، و4.1 في المئة، في عام 2024.
وفيما يخص سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة، يبدو أن البطالة وعدم المساواة بين الجنسين في طريقهما للارتفاع، لأن الأزمات الاقتصادية والسياسية المتعددة والمتداخلة، تهدد انتعاش سوق العمل في جميع أنحاء العالم؛ إذ ترى منظمة العمل الدولية، في تقرير لها صدر في 31 أكتوبر 2022، أن سوق العمل العالمي يشهد مزيدًا من التدهور مع استمرار الأزمة الأوكرانية والأزمات الأخرى.
فيما يتوقع التقرير أن يتدهور نمو التوظيف العالمي بشكل كبير في الربع الأخير من عام 2022، الأمر الذي سيؤدي بالطبع لزيادة معدلات الفقر، لا سيما مع انخفاض الأجور الحقيقية في العديد من البلدان، والناجم عن ارتفاع معدلات التضخم؛ التي أثرت في كثيرٍ من البلدان على الفئات ذات الدخل المنخفض.
إشادات دولية:
نجحت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، في إدراج "المنظومة الإلكترونية لمتابعة مشروعات مبادرة حياة كريمة"، عبر منصة "مبادرات تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة" التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة UNDESA، وفقًا لمجموعة من المعايير تتمثل في أن تكون الممارسة مستهدفة خدمة هدف أممي أو أكثر، وتأخذ في الاعتبار الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة، وأن تكون نتائج المبادرة محددة بوضوح وقابلة للقياس، وأن تشمل مختلف أصحاب المصلحة و/أو شراكات محلية وإقليمية ودولية، وأن يكون للممارسة آليات للرصد لضمان المساءلة والاستدامة.
وفي 30 مايو 2022، شاركت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ممثلةً في فريق عمل مبادرة حياة كريمة بالوزارة، في الاجتماع التحضيري الإقليمي العربي، لاستعراض منتصف المدة الشامل للعقد الدولي للعمل من أجل الماء، الذي نظمته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا"، بالتعاون مع جامعة الدول العربية في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث استعرضت الوزارة التجربة المصرية في المبادرة.
وأشاد المشاركون في الاجتماع بمبادرة "حياة كريمة"، والجهود المصرية المبذولة لتنمية الريف المصري، واصفين إياها بالتجربة الرائدة والنموذج الذي يُحتذى به لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة والمتوازنة، مشيرين إلى دورها في تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة فيما يتعلق بتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي.
وخلال زيارة لوفد من الكونجرس الأمريكي، في 10 أكتوبر 2022، أثنى الوفد على ما تتضمنه المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" من منظور تنموي شامل لقرى الريف المصري، خاصة وأنها تغطي كل الجوانب المرتبطة بتحسين حياة قاطني الريف، ورفع مستوى الخدمات المقدمة لهم، بالإضافة إلى اهتمامها بقطاعات التعليم، والصحة، وتنمية الأسرة، والتدريب المهني الهادف لخلق فرص العمل لأبناء الريف.
وفي 19 أكتوبر 2022، خلال لقاء وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، مع الخبير المصري العالمي أ.د. محفوظ الشهاوي، أستاذ أمراض القلب بجامعة فلوريدا، رئيس الجمعية الدولية لطب القلب الوقائي بالولايات المتحدة الأمريكية، ورئيس المجلس العالمي للقلب بسويسرا، أعلن الأخير مشاركته في مبادرة "سلامة قلبك"، ضمن المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، بجانب حرصه على تقديم خبراته للأطباء المصريين.
وأشاد سفير كوريا الجنوبية، في 20 أكتوبر 2022، بالنجاحات التي حققتها الحكومة المصرية على أرض المحافظات، لتحسين مستوى معيشة المواطنين والخدمات المقدمة لهم خلال الفترة الماضية، معربًا عن انبهاره بالجهد الكبير الذي يُجرى على أرض مصر في مختلف المشروعات القومية الكبرى، وعلى رأسها المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، كما أعرب السفير الكوري عن استعداد بلاده لتوسيع مجالات التعاون فيما يخص المبادرة، مع مؤسسة صمويل أنيدونج (المعنية بتطوير وتنمية الريف الكوري).
شراكة جادة:
ثمة شراكة وثيقة بين مصر والأمم المتحدة، بحشد سبل الدعم والتمويل والمساندة لتنفيذ مبادرة "حياة كريمة" من أجل تحسين المستوي المعيشي للمجتمعات والفئات المستهدفة بقرى الريف المصري، حيث تشمل محاور مساهمة الأمم المتحدة في المبادرة، متابعة الأنشطة القائمة والتوسع في تنفيذها، وتحقيق مساهمات منسقة ومتزامنة وفعالة، من خلال الاستثمار في رأس المال البشري في قطاعات الصحة والتعليم وتمكين الشباب، وتعزيز الحوكمة ودعم العمل المناخي وتمكين السيدات والفتيات، والاستفادة من التجارب الوطنية والدولية السابقة ووضع "حياة كريمة" كأولوية، ضمن إطار التعاون مع أجل التنمية المستدامة بين مصر والأمم المتحدة 2023-2027، مع مواءمة أهداف مبادرة حياة كريمة مع أهداف التنمية المستدامة وتعزيز نظم الرصد والتقييم، ونشر المبادرة كأفضل ممارسات مكافحة الفقر وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
في الختام، من المرجح أن تنعكس تداعيات مبادرة حياة كريمة على تعزيز الدور الدولي لمصر، لا سيما من خلال نقل التجربة الناجحة للمبادرة، إلى دول العالم بعد الشراكة الدولية مع مصر في إطار المبادرة، فقد أكد أليساندرو فراكاسيتي، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر(UNDP)، أهمية اهتمام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، والقضايا البيئة ومشاركة الشباب والمجتمع المدني وتقديم الدعم للكوادر المحلية، مشيرًا إلى أنها تعتبر واحدة من أنجح المشروعات القومية على مستوى العالم التي تهتم بتحسين مستوى معيشة ملايين المواطنين في القرى المستهدفة.