الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عبد الفتاح القصري.. أسطورة الكوميديا التي لا تنزل الأرض أبدا

  • مشاركة :
post-title
عبد الفتاح القصري

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

ضحكة تلقائية ترتسم على وجه المشاهد فور أن تقع عيناه على الفنان عبد الفتاح القصري، الذي استطاع أن يحظى بحب الملايين على مستوى الوطن العربي، لقدرته على إسعاد الكثيرين ويكون بحق أسطورة الكوميديا المتفردة.

خدع عبد الفتاح القصري – الذي تحل ذكرى وفاته في مثل هذا اليوم عام 1964- الكثيرين بأنه أُميّ من فرط قبوله تأدية الأدوار البسيطة أو المعلم الشعبي، وتلقائيته في استخدام المصطلحات الدارجة من البيئة الشعبية، لكنه على النقيض نشأ في كنف عائلة ثرية لوالد يعمل في تجارة الذهب، ودرس في مدرسة الفرير الفرنسية، غير أن حبه للفن كان المحرك الرئيسي له لامتهان التمثيل.

لم يكن "القصري" يهوى التعليم، إذ كان دائم الهرب من المدرسة، ويحاول ابتكار الحيل للخروج منها، حتى إن والده فقد الأمل في تعليمه فأخرجه من المدرسة ليعمل معه في تجارة الذهب، وبحكم وجوده ونشأته في حي الحسين الشهير بالقاهرة، كان يمر يوميًا على أحد المسارح التي يعمل بها فرقة فوزي الجزايرلي المسرحي، ومن خلالها أحب العروض التي يقدمونها، فأصبح شغوفًا بالفن وتمنى أن يصبح فنانًا، فحاول الانضمام للفرقة إلا أن مدير الفرقة رفض طلبه نظرًا لصغر عمره الذي لم يتجاوز حينها 12 عامًا.

لم ينس "القصري" حلمه وظل يتردد على المسارح المختلفة حتى جاءت فرصته بتقديم المونولوجات الفنية، ثم انضم لفرقة عبد الرحمن رشدي، ليحظى ببعض الأدوار الصغيرة ويترك عمله في الصاغة مع والده.

خفة ظل عبد الفتاح القصري منعته من الاستمرار بفرقة جورج أبيض، إذ كان مجبرًا على تقديم أدوار تبكي الجمهور، لكن رغبته في إضحاك الجمهور ساهمت في تركه هذه الفرقة والانضمام لفرقة نجيب الريحاني الذي كان يبحث عنه بعد أن انتشرت قصة انسحابه من فرقة جورج أبيض لأنه يحب البهجة وإضحاك الناس، فأسند الريحاني له دورًا صغيرًا في إحدى مسرحياته.

كانت بداية عبد الفتاح القصري في تقديم دور ابن البلد من خلال دور في مسرحية "السكرتير الفني" مع الفنان فؤاد المهندس، ويرجع السبب في براعته تقديم هذا الدور لنشأة علاقة قوية بينه وأصحاب المذابح في حي السيدة زينب الشهير بالقاهرة، الذي كان يسكن فيه، ومن شدة تأثره بهم كان يرتدي الجلباب بدلًا من البدلة، لكن نجيب الريحاني لم يوافق على ارتداء القصري للجلباب البلدي خارج خشبة المسرح أو استوديوهات الفن.

على الرغم من أن القصري قدّم شخصية الرجل الشهم إلا أنه صدم الجمهور بتقديم شخصية النصاب والحرامي في فيلم "سي عمر" لكنه احتفظ بمحبة الجمهور له، لتتوالى الأعمال الفنية عليه، ويكون مطلوبًا في العديد من الأعمال الفنية، خاصة مع تمتعه بمهارة حفظ الأدوار بسرعة ولم يستعن بالملقن نهائيًا في المسرح، وكان من أسرع الفنانين في حفظ أدوارهم.

عبد الفتاح القصري ونجيب الريحاني

" أنا كلمتي متنزلش الأرض أبدًا"، كان هذا الإيفيه الذي قدّمه "القصري" بشخصية "الريس حنفي" في فيلم "ابن حميدو" واحدًا بين عشرات الإيفيهات التي تميّز بها عبد الفتاح القصري، فخفة ظله التي طغت على أدواره التي قدمها في السينما، ميّزته عن غيره من الفنانين، إذ كان له نكهة مختلفة في الأداء البسيط غير المتكلّف القادر على الوصول للجمهور بسهولة.

أثرى "القصري" الحياة الفنية بعلامات في مكتبة السينما المصرية والعربية، فعلى مدار 30 عامًا قدم نحو 114 فيلمًا بدأها بدوره في فيلم "المعلم بحبح" منتصف الثلاثينيات، وانتهى بفيلم "انسي الدنيا" في الستينيات، ليذاع صيته بعد أول فيلم ويقدم أكثر من 5 أفلام في العام الواحد، ووصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 10 أفلام دفعة واحدة، لكن المفارقة أنه بدأ حياته بفيلم واحد وانتهي بعمل واحد أيضًا.

شكّل عبد الفتاح القصري مع الفنان الكوميديان إسماعيل ياسين، ثنائيًا مختلفًا إذ تعاونا سويًا في عدد كبير من الأفلام مثل "إسماعيل ياسين في جنينة الحيوان"، "ابن حميدو"، "حماتي قنبلة ذرية"، "بيت الأشباح"، "إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة"، "إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين"، وغيرها من سلسلة الأعمال التي قدّمها صديقه إسماعيل وتحمل اسمه.

رغم السعادة التي أهداها "القصري" للكثيرين، لكن غابت السعادة عنه لتكون حياته أشبه بمأساة، من أقاربه، قبل أن يصاب بالمرض ثم العمى خلال وقوفه على خشبة المسرح، ليجلس بعدها في المنزل بعيدًا عن الأضواء لنحو عامين، ويجلس محبوسًا في منزله بعد أن غاب عنه نور الحياة والعين، ليعيش أيامه الأخيرة وحيدًا، ويرحل عن الحياة بعد أن أمتع جمهوره.

عبد الفتاح القصري وإسماعيل ياسين