تغيرت نبرة الرئيس الأوكراني، بعد نحو عام من بدء العملية الروسية في أوكرانيا، فبعد أن كان منفتحًا على تقديم تنازلات بشأن شبه جزيرة القرم، في مارس من العام الماضي، خرج اليوم ليتحدث عن عزمه السيطرة على شبه جزيرة القرم، وقال "القرم أرضنا"، وطالب بمزيد من الدعم الغربي لاستعادتها مُجددًا.
واليوم، أعلن زيلينسكي، عزمه إرسال أفراد من القوات المسلحة، للتدريب في الخارج، للسيطرة على شبه جزيرة القرم.
ومن جانبه، قال إيغور كليمينكو، القائم بأعمال وزير الداخلية الأوكراني، في بداية الشهر الجاري، إن حكومة بلاده، بدأت في تنظيم ألوية هجومية للسيطرة على "القرم ودونباس"، تحت مشروع يعرف باسم "الحرس الهجومي"، فما هي قصة جزيرة القرم، وما هي أهميتها لروسيا؟
أهمية شبه جزيرة القرم
أهمية شبه الجزيرة الاستراتيجية، تأتي من موقعها، وتموضعها في البحر الأسود على مقربة من مضيقي البسفور والدردنيل اللذين يربطانها بالبحر الأبيض المتوسط من جهة، والقوقاز – بما في ذلك شمال القوقاز الروسي – من جهة أخرى، وفقًا لوكالة "روسيا اليوم".
ومساحة شبه جزيرة القرم، 27 ألف كيلومتر مربع، فيما يبلغ عدد السكان نحو مليوني نسمة وفقًا لإحصاء عام 2001، أغلبهم من الروس، ولكن تسكنها أيضًا أقليات من الأوكرانيين والتتار.
السيطرة على شبه جزيرة القرم
أصبحت شبه جزيرة القرم، محور أخطر أزمة بين روسيا والغرب، منذ الحرب الباردة، إذ قامت قوات موالية لروسيا بالسيطرة عليها عام2014، بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب، فيكتور يانوكوفيتش "الموالي لروسيا"، باحتجاجات بالعاصمة كييف.
وبعد أن سيطرت روسيا، عسكريًا على شبه جزيرة القرم، صوت سكانها، في استفتاء عام للانضمام إلى روسيا الاتحادية، إلا أن أوكرانيا والغرب يرون أن هذا الاستفتاء "غير شرعي".
تاريخ أزمة شبه جزيرة القرم
إلا أن تاريخ أزمة شبه جزيرة القرم ليس وليد عام 2014، إذ سيطرت الإمبراطورية الروسية، على القرم، وضمتها إبان حكم كاثرين العظيمة، في عام 1783، لتظل جزءًا من روسيا حتى عام 1954، إذ أهداها الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف، إلى جمهورية أوكرانيا "السوفيتية في ذلك الوقت"، في سبيل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين.
وتاريخيًا، ظلت شبه جزيرة القرم تحت سيطرة اليونانيين والرومان لعدة قرون، وفي عام 1443 تحولت إلى سيطرة "التتار"، ولاحقًا أصبحت خاضعة للسيادة العثمانية عام 1475، وفقًا لـ "بي بي سي".
حرب القرم
وفي أواسط القرن التاسع عشر، اندلعت حرب القرم، في الفترة من 1853 وحتى 1856، والتي انتهت بتوقيع اتفاقية باريس، وهزيمة الإمبراطورية الروسية أمام تحالف ضم الإمبراطورية العثمانية وفرنسا وبريطانيا ومملكة سردينيا.
احتلال النازيون
وفي أعقاب ثورة أكتوبر البلشفية، عام 1917، منحت شبه جزيرة القرم حكمًا ذاتيًا، باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، وفي عام 1940 احتل النازيون "القرم"، قبل أن يطردوا منها.
ورحّل الزعيم الروسي جوزيف ستالين، تتار القرم وكان عددهم نحو 200 ألف شخص، عام 1944، قسرًا إلى سيبيريا وآسيا الوسطى، بزعم تعاونهم مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.
هدية لأوكرانيا
وفي 1954 أهدى الزعيم السوفيتي، نيكيتا خروشوف، جزيرة القرم، إلى جمهورية أوكرانيا "السوفيتية في ذلك الوقت"، في سبيل تعزيز الوحدة بينهما.
في عام 1991 تم تغيير الوضع القانوني لشبه جزيرة القرم، وأصبحت تتميز بالحكم الذاتي داخل الاتحاد السوفيتي، ولكن تبعيتها انتقلت إلى أوكرانيا، مع حل الاتحاد السوفيتي رسميًا في ديسمبر من ذلك العام.
توترات ما بعد الاستقلال
بعد انضمام القرم، إلى أوكرانيا المستقلة حديثًا، سعى سياسيون روس هناك إلى توثيق العلاقات مع روسيا وتثبيت سيادتها في شبه الجزيرة، وقاموا ببعض الخطوات وصفتها الحكومة الأوكرانية، بأنها منافية للدستور الأوكراني.
ونص الدستور الأوكراني "1996"، على أن جمهورية القرم ذات حكم ذاتي ولديها دستورها الخاص الذي اعتمده برلمان جمهورية القرم، والذي وافق عليه برلمان أوكرانيا بأغلبية لا تقل عن نصف التكوين الدستوري للبرلمان الأوكراني.
ونص الدستور الأوكراني، على أنه لا يجوز أن تتعارض القوانين الصادرة عن برلمان وحكومة جمهورية القرم، مع الدستور الأوكراني وقوانين أوكرانيا.
وظلت العلاقة بين كييف وشبه الجزيرة، مُعقدة، إذ إن أغلب سكانها من الروس، وألزمت مذكرة بودابست، الموقعة من قبل روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وبريطانيا في ديسمبر عام 1994، باحترام حدود أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، وفي المقابل تعهدت أوكرانيا بنقل مخزونها من الأسلحة النووية من الحقبة السوفيتية إلى روسيا.
سيطرة روسيا
وظلت التوترات جارية حتى عام 2014، حين فرّ الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش، والذي كان مُواليا لروسيا، وعندها قامت قوات مُوالية لروسيا بالسيطرة على شبه جزيرة القرم.
وفي مارس 2014، تلقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، موافقة البرلمان الروسي على إرسال قوات إلى شبه جزيرة القرم بدعوى حماية السكان من أصل روسي، ووقع في 18 مارس معاهدة دمج شبه جزيرة القرم في الاتحاد الروسي.
وبدأت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، في ظل تزايد مستوى التصعيد بين أطراف الصراع، ففي الوقت الذي تشترط فيه روسيا ضرورة الاعتراف الغربي بشبه جزيرة القرم، إلى جانب المكاسب الأخرى التي حققتها خلال عامها الأول في الحرب، ترفض أوكرانيا بشكلٍ قاطع وتستبعد أي تفاوض معها، حتى تسحب موسكو كامل قواتها من كل أراضيها، وهو ما سيعطل أي تسوية سياسية على الأقل في الأمد المنظور.