خلفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي تدخل اليوم الجمعة عامها الثاني، تداعيات اقتصادية خطيرة طالت دول العالم أجمع، وسط أزمات تتصاعد في الأمن الغذائي وأمن الطاقة. فقد تسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا، باعتبار البلدين موردين رئيسيين لسلع الطاقة والغذاء والأسمدة على حد سواء، في تعطل الإمدادات لكل من البلدان النامية والمتقدمة.
كما أدى هذا الصراع إلى ارتفاع أسعار الطاقة، ما أضعف إنفاق الأسر وقوض ثقة الأعمال التجارية، وفاقم خلل سلاسل التوريد، وتسبب في نقص الغذاء والضروريات الأخرى، وهز الأسواق في جميع أنحاء العالم.
ودخلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عامَها الثاني، اليوم الجمعة، فيما تستمر المعارك الدامية، حيث تحاول موسكو بسط سيطرتها على المناطق الأوكرانية، بينما تتلقى كييف دعمًا لوجستيًا وعسكريًا غربيًا في مواجهة موسكو.
حرب العقوبات بين الغرب وروسيا
فبعد بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، سارع التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، إلى فرض عقوبات على روسيا، والتي ردت بالمثل.
وفرضت دول التحالف الغربي، مجموعات متتالية من العقوبات المالية على موسكو، بهدف ممارسة أقصى درجات الضغط على الاقتصاد الروسي. ولأن مجال الطاقة هو شريان الحياة لموسكو، لذلك عمدت الدول الغربية، خاصة أوروبا، على تقليل اعتمادها على النفط والغاز الروسيين.
وقبل الحرب، ظل الاتحاد الأوروبي لسنوات من أبرز زبائن الغاز الروسي، ففي عام 2020، زوّدت روسيا الاتحاد الأوروبي بما يقدر بنحو 25 بالمئة من النفط و40 بالمئة من الغاز الذي استهلكه الاتحاد خلال ذلك العام، وفق وكالة "يوروستات" للإحصاءات.
لكن بعد اندلاع الحرب، وردًا على العقوبات الغربية، خفضت موسكو إمداد الدول الأوروبية بالغاز، إلى أن بدأت القارة العجوز بالرد وتحديد سقف لأسعار الغاز والنفط الروسيين.
واعتمدت الدول الأوروبية خطة لتقليل الاعتماد على الغاز والنفط الروسيين، من خلال ملء خزانات الاحتياط، وفرض خطة لترشيد استهلاك الطاقة، وإيجاد بعض المصادر البديلة للغاز.
وأنفقت الحكومات في جميع أنحاء أوروبا مليارات اليوروهات لمساعدة الأسر والشركات على مواجهة الارتفاع المفاجئ في تكاليف الطاقة، وقد جاءت بعض هذه المساعدات في شكل وضع حدود قصوى لأسعار الطاقة. لكن هذه الحدود القصوى تضعف الحافز للأسر لخفض الاستهلاك.
تفاقم أزمتي الطاقة والغذاء
ورغم تلك الإجراءات، ظلت أسعار الطاقة مرتفعة، وأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم لمستويات قياسية، لم تصل لها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منذ عدة سنوات، ما زاد من الاضطرابات الاجتماعية في بعض الدول، فضلا عن تأجج أسعار الغذاء في السوق الدولية بسبب تعطيل صادرات الغذاء والحبوب من أوكرانيا وروسيا، بعد اندلاع الحرب.
وتفاقمت أزمة الغذاء حول العالم، مع لجوء أطراف أخرى فاعلة في إنتاج وتجارة الغذاء، إلى اتخاذ إجراءات كان من شأنها خلخلة معادلة الأمن الغذائي العالمي، منها قرار الهند حظر صادراتها من القمح، وكذلك رفض الصين تلبية مطلب الاتحاد الأوروبي بالإفراج عن جزء من احتياطياتها من الحبوب من أجل تهدئة الأسعار في السوق الدولية.
ولكن الطرف الأكثر تضررًا من تلك الأزمة، هو البلدان التي تعتمد بشكل رئيسي على استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الغذاء، خاصة من روسيا وأوكرانيا.
اضطرابات سلاسل التوريد
وفاقمت الحرب في أوكرانيا، الاضطرابات التي لحقت بسلاسل التوريد إبان جائحة كورونا، إذ واجهت دول العالم عجزًا في السلع الرئيسية والأجهزة الإلكترونية والغذاء، وكانت هناك آثار تضخم في العالم، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميًا.
وحاولت البنوك المركزية حول العالم، التعامل مع هذه التأثيرات من خلال رفع أسعار الفائدة، وكبح موجات التضخم المرتفع.
وحسب منظمة "التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي"، بلغت تكلفة تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، حوالي 2.8 تريليون دولار.
وتقول المنظمة الحكومية التي تضم 38 دولة، وتعتبر تجمعًا للاقتصادات المتقدمة مقرها باريس، إن تلك التكلفة مرشحة للارتفاع مع استمرار الحرب، وتوجه الشركات حول العالم إلى خفض أنشطتها وإنتاجها، نتيجة الارتفاع الحاد للأسعار.