بعد 98 عاما في خدمة الإنسانية.. "كارتر" من مزارع الفول إلى الرعاية المنزلية

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر

القاهرة الإخبارية - محمود غراب

بعد رحلة طويلة من العطاء وعدم الاستسلام لمعوقات الحياة والتقدم في السن، قرر الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، أن يتلقى خدمة رعاية المسنين في المنزل بعد أن غادر المستشفى.

يعتبر كارتر الذي أتم عامه الـ98، أكتوبر الماضي، الأطول عمرًا بين رؤساء الولايات المتحدة. 

وأعلنت المؤسسة الخيرية التي أنشأها، أنه قرر قضاء وقته المتبقي في المنزل مع أسرته، وتلقي رعاية المسنين بدلًا من التدخل الطبي الإضافي.

وقالت المؤسسة على "تويتر": إن كارتر يحظى بالدعم الكامل من فريقه الطبي وعائلته، التي تطلب الخصوصية في هذا الوقت وتشعر بالامتنان للقلق الذي أبداه العديد من المعجبين به.

وأصبح كارتر، وهو ديمقراطي، الرئيس الـ39 للولايات المتحدة، عندما هزم الرئيس السابق جيرالد فورد، في عام 1976، وخدم لفترة ولاية واحدة وهزمه الجمهوري رونالد ريجان في عام 1980.

انطلاق مسيرته في خدمة الإنسانية

ورفض كارتر أن ينتهي دوره بخروجه من البيت الأبيض، ولم يكتف بأن يذكره التاريخ على أنّه رئيس أسبق للولايات المتحدة الأمريكية. فعند انتهاء عهده كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، انطلق كارتر من البيت الأبيض إلى مختلف بقاع العالم في مهمّات سياسية وإنسانية، أسبغت عليه دورًا إنسانيًا، نادرًا ما مارسه رئيس أمريكي بعد انتهاء فترة حكمه.

عرف كارتر برفضه للحروب ودعوته إلى اعتماد لغة الحوار سبيلًا لحلّ المعضلات السياسية نحو سلام عادل وشامل، من خلال مشاركته في السياسات الدولية ومساهماته كوسيط مفاوض في حل قضايا دولية خلافية، فاستحقّ بجدارة جائزة نوبل للسلام التي فاز بها في عام 2002.

ورغم مُضي أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء ولايته في عام 1981، لا يزال اسمه يحتل مساحة بارزة على المسرح السياسي الدولي. فهو عرّاب اتفاقيّة "كامب ديفيد" التي شكّلت نقطة تحوّل في العلاقات العربية - الإسرائيلية، لطالما أدان الحصار والتضييق على الشعب الفلسطيني من خلال مؤلفاته ومحادثاته.

وقد أتى كتابه الذي حمل عنوان "سلام.. لا فصل عنصري" ليثير حفيظة السياستين الأمريكية والإسرائيلية لدى إصداره، لا سيما أنّه يصوّر القهر المُمارس على الأراضي الفلسطينية.

وانتقد "كارتر" الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل وانحيازها الأعمى لها، مؤكدًا أن هذا الأمر أضرّ بسمعة أمريكا ومصداقيتها، ليس على مستوى الدول العربية والإسلامية فحسب، وإنما على مستوى العالم.

الدور الإنساني

وكان لجيمي كارتر دور مهم على المستوى الإنساني قد يضاهي ما قام به في مجال السلام والسياسة الدولية. فقد أسّس وزوجته روزالين سميث، مركزًا خيريًا في عام 1982، هو "مركز كارتر الرئاسي"، انطلق منه إلى فقراء العالم لتحسين مستوى معيشتهم في أكثر من 70 بلدًا، وانتقل خلاله من رئيس لأمريكا إلى صانع لحياة الشعوب المنسيّة.

قدّم مركز كارتر المساعدات التقنية وراقب الانتخابات في 20 دولة، وتفاوض على حلول سلمية لصراعات في عدد كبير من الدول، وهو مستمر في قيادة حملات من أجل حقوق الإنسان على مستوى العالم، فضلًا عن الجهود التي يقوم بها مركز كارتر على المستوى الصحي، ومساهمته في حملات مكافحة الأوبئة والأمراض في مناطق إفريقية وآسيوية.

بدأ حياته العملية في مزارع الفول السوداني

ولد جيمي كارتر، في 1 أكتوبر 1924 بجورجيا، وعمل من صغره في مزارع والده للفول السوداني، وعلمته والدته منذ الصغر مساعدة الفقراء والمحتاجين، وعرفه والده على عالم السياسة وحضور الأحداث والمجالس السياسية.

ورغم أن كارتر كان من مجتمع صغير، إلا أنه عقد العزم على التخرج في الجامعة، لأنه أراد أن يكون أكثر من مجرد مزارع في مزرعة فول سوداني، فتطلع إلى الانضمام للبحرية الأمريكية مثل عمه توم، ورؤية العالم.

في البداية، حضر جيمي كارتر في معهد جورجيا للتكنولوجيا، إذ كان في تدريب ضباط الاحتياط البحرية، وفي عام 1943، تم قبوله في أكاديمية البحرية الأمريكية في أنابوليس بولاية ماريلاند، إذ تخرج في يونيو 1946، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة. وفي السنة الأخيرة له في أنابوليس، بدأ ينجذب الى صديقة أخته روث روزالين سميث، وفي 7 يوليو عام 1946، بعد وقت قصير من تخرجه تزوج الاثنين.

في يوليو عام 1953، توفي والد جيمي كارتر بسبب سرطان البنكرياس، وبعد الكثير من التفكير قرر جيمي كارتر أنه في حاجة للعودة إلى جورجيا لمساعدة عائلته في إدارة مزرعة والده.

وعندما أبلغ زوجته بقراره أصابتها الصدمة، وقالت إنها لا تريد العودة إلى الريف في جورجيا، فكانت روزالين تحب كونها زوجة ظابط بحرية، لكن صمم كارتر على رأيه، وتم تسريحه من البحرية بشرف، وعادوا لإدارة المزرعة التي كانت تعاني الخسائر. ومع الوقت تمكن الثنائي من تحقيق أرباح من المزرعة، وكان لكارتر آراء ومشاركات في المجتمع.

دخوله المعترك السياسي في الولايات المتحدة

وفي عام 1962، كان كارتر على استعداد لتوسيع مهامه السياسية، فنجح في الحصول على مقعد بانتخابات مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، وبالتالي ترك إدارة المزرعة لأخيه بيلي، وانتقل هو وعائلته إلى أتلانتا وبدأ فصل جديد في حياته السياسة.

بعد 4 سنوات في مجلس الشيوخ، كان كارتر الطموح يريد أكثر من ذلك، لذلك في عام 1966، ترشح لمنصب حاكم جورجيا، لكنه لم ينجح في الفوز جزئيًا، بسبب أن العديد من البيض اعتبروه ليبراليًا، لكنه لم ييأس، وفي عام 1970، ترشح مرة أخرى لمنصب الحاكم، لكن هذه المرة، خفف اتجاهه الليبرالي، أملًا في مناشدة شريحة أوسع من الناخبين البيض، وبالفعل نجح، وتم انتخابه حاكمًا لجورجيا.

ولكن تخفيف وجهات نظره الليبرالية كانت مجرد حيلة للفوز في الانتخابات، أما في منصبه فعاد لمعتقداته، وحاول إجراء تغييرات ليبرالية كثيرة، وهذا أثار غضب بعض البيض المحافظين الذين قاموا بانتخابه. وبعد انتهاء مدته كحاكم جورجيا، كان في الخمسين من عمره، ومفعم بالنشاط واضعًا نصب عينيه تولي منصب أهم.

الترشح لرئاسة الولايات المتحدة:

في 1976، تم انتخاب كارتر رئيسًا للولايات المتحدة، وكان أول رجل من أقصى الجنوب يُجرى انتخابه إلى البيت الأبيض، منذ "زاكاري تايلور" الذي انتخب عام 1848.

وبعد توليه منصب الرئيس، أراد كارتر استجابة الحكومة لمطالب الشعب الأمريكي، في خفض التضخم والأسعار وحل أزمة الطاقة، لذلك قرر وموظفوه إنشاء وزارة الطاقة في عام 1977 لمعالجة كل هذه المشكلات، وبالفعل خلال فترة رئاسته، انخفض معدل استهلاك النفط في الولايات المتحدة بنسبة 20%، وأنشأ أيضًا وزارة التربية والتعليم، لمساعدة طلاب الجامعات والمدارس العامة في جميع أنحاء البلاد.

ونجد أيضًا خلال فترة رئاسة كارتر، أنه قد أراد حماية حقوق الإنسان وتعزيز السلام في جميع أنحاء العالم، وقدم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لتشيلي والسلفادور ونيكاراجوا، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في تلك البلدان.

وبعد 14 عامًا من المفاوضات مع بنما، من أجل السيطرة على قناة بنما، واتفق البلدان في النهاية على توقيع معاهدات خلال فترة حكم جيمي كارتر، وعادت القناة إلى بنما في عام 1999.

كامب ديفيد

وفي عام 1978، نظم كارتر لقاء القمة بين الرئيس المصري السابق أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن، في كامب ديفيد، بولاية ماريلاند، فأراد من الزعيمين الاجتماع والاتفاق على حل سلمي، ووافق بالفعل الاثنان في النهاية على اتفاقية كامب ديفيد كخطوة أولى نحو السلام.

أما عن الأسلحة النووية، فكانت واحدة من أكثر الأمور التي تهدد هذا العصر، فأراد كارتر الحد من عددها، وفي عام 1979، وقع كارتر والزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف على اتفاقية للحد من الأسلحة الاستراتيجية، هي بمثابة معاهدة لخفض عدد الأسلحة النووية التي تنتجها كل دولة.

انتكاساته في الرئاسة

على الرغم من كل هذه النجاحات المبكرة، إلا أن الأمور بدأت في الانحدار بالنسبة للرئيس كارتر. في عام 1979، وهو العام الثالث من رئاسته، بدأ يواجه العقبات بأزمة بترول، مرة ثانية عام 1979، وبدأ في فقد ثقة الشعب الأمريكي عندما أخل الاتحاد السوفيتى بمعاهدة الحد من التسلح النووي بغزوه لأفغانستان، فدعا كارتر لقرار غير محبب للجمهور، هو الانسحاب من دورة الألعاب الأولمبية عام 1980، في موسكو.

وجاءت أكبر الانتكاسات التي أدت إلى تدمير ثقة الجمهور في رئاسته، هي أزمة الرهائن الإيرانية، عندما تم احتجاز 52 أمريكيًا في إيران، 4 نوفمبر 1979. ولم ينس الجمهور الأمريكي كل هذه الانتكاسات، وكانوا يتذكرون بوضوح فشل كارتر في الماضي، وعند حلول الانتخابات الجديدة نزل أمامه منافسه رونالد ريجان، الذي أخذ رواجًا كبيرًا وسط الشعب الأمريكي، وفاز في عام 1980 بأغلبية ساحقة، واستطاع ريجان أن يفرج عن الرهائن الأمريكية الموجودة في إيران.

حصول كارتر على جائزة نوبل للسلام

بعد ترك الرئاسة مباشرة، وجد جيمي كارتر نفسه مدينًا بمليون دولار، والأسوأ أنه وجد عمل العائلة في جورجيا قد انهار أيضًا فاضطر لبيع المزرعة لسداد ديونه.

وفعل كارتر ما يفعله معظم الرؤساء السابقين عندما يتركون الرئاسة، كممارسة الصيد، والقراءة، وتأليف الكتب، وأصبح أستاذًا في جامعة إيموري بأتلانتا، جورجيا، وفي النهاية كتب 28 كتابًا، من بينها السير الذاتية، وغيرها، ومع ذلك فإن هذه الأنشطة لم تكن كافية لكارتر في ذلك السن، إذ كان عمره آنذاك 56 عامًا، لذلك وجه طاقته للعمل الإنساني وأسس منظمة غير هادفة للربح.

في عام 1982، أسس مركز كارتر، وحاول من خلاله التخفيف من المعاناة الإنسانية في جميع أنحاء العالم، وتفانى كارتر في تحسين حياة الملايين، وفي عام 1999، تم منحه وزوجته الميدالية الرئاسية للحرية.

وفي عام 2002، تم منحه جائزة نوبل للسلام، وذلك لتفانيه لعقود من الجهد الدؤوب لإيجاد حلول سلمية للصراعات الدولية، ولتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.