على مدار أيام لا تزال آثار الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا والشمال الغربي السوري تحرك شعوب العالم وحكوماته لمد يد العون لإنقاذ ضحاياه في المنطقة.
ومنذ اللحظات الأولى من ضرب الزلزال لسوريا وتركيا، لم تتلكأ حكومات العالم في إرسال المساعدات بجميع أنواعها للمناطق المنكوبة، دون الاكتراث للمواقف السياسية، إذ تنحت جميع الأجندات وأزمات الماضي، ووقفت دول العالم لتخفيف آثار هذا الدمار على منكوبيه، وربما تكون هذه بداية جديدة لإعادة النظر في السياسات والتوافقات العالمية، ما قد يؤدي لإعادة صياغة المشهد السياسي العالمي مرة أخرى.
تركيا- أرمنيا- اليونان
كادت قيود العلاقات الدولية وحساسياتها المزمنة تختفي أو تتفتت لتسهيل وصول المساعدات للمناطق المنكوبة، وتدفقت فرق الإنقاذ والمساعدات الإنسانية من أكثر من 70 دولة لتركيا، وتجاوزت وتناست كثير من العواصم الأوروبية خلافاتها مع أنقرة وراحت تضخ بالملايين ما يمكن أن تعجل بإرساله بالتنسيق الكامل مع الحكومة التركية، الذي كان شرط حكومة أنقرة الأول.
وقال جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحفي مشترك في أنقرة مع نظيره الأرميني أرارات ميرزويان: "مدت أرمينيا يدها بالصداقة وأظهرت التضامن والتعاون معنا في هذا الوقت العصيب.. نحتاج لمواصلة هذا التضامن".
وأضاف "عملية التطبيع في منطقة جنوب القوقاز جارية. نعتقد أن تعاوننا في المجال الإنساني سيدعم هذه العملية".
أما عن الخلافات التركية الأوروبية التي برزت في واجهة شديدة الحدة مع اليونان إلى درجة تبادل التهديدات قبل أسابيع بشن الحرب، فإن رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس سارع بالاتصال بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمواساته في هذه الكارثة، وتقديم واجب العذاء في ضحايا الزلزال، كما أعلن رئيس وزراء اليونان عن إرسال مساعدات من بلاده وأكد "وضع كل قواتنا في تصرّف تركيا".
ويذكر أن تركيا سبق لها تقديم مساعدات لليونان لمواجهة تداعيات الزلزال الذي ضرب أثينا عام 1999.
من جهة أخرى، سارعت أرمينيا بتقديم المساعدات للجانب التركي، على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين تركيا جراء تاريخ من العداء، وجهود التقارب بينهما لم يمض عليها سوى بضعة أسابيع، وقد تم فتح معبر بين البلدين كان مغلقًا منذ 35 عامًا.
وإذا كانت هناك من ترجمة لفاعلية "دبلوماسية الكوارث" في تغيير العلاقات بين دول متناحرة، فإن مثالي أرمينيا واليونان مع تركيا كافيان لإثباتها، فالآثار الإنسانية للكوارث تلعب دورًا في التغييرات السياسية بكثير من الأحيان، وتقود إلى خفض العداوات والتوترات.
"العالم نسي سوريا"
أما بالنسبة لسوريا، فإن الأثر السياسي الأولي للكارثة برز في إعلان مسؤول بمنظمة الصحة العالمية أن "العالم نسي سوريا.. بصراحة، وأعاد الزلزال تسليط الضوء عليها". وأضاف، "الملايين في سوريا يعانون منذ سنوات في ظل ما بات أزمة منسية".
كانت وزارة الخزانة الامريكية أعلنت عن إعفاء التعاملات المالية والمساعدات الإغاثية لدمشق من عقوبات قانون "قيصر" لمدة لستة أشهر، الذي كانت تطبقه واشنطن بتشدد كبير ، وذلك بعد مناشدات لرفع العقوبات العالمية على النظام السوري لإيصال المساعدات لمنكوبي الزلزال، ثم تدفقت المساعدات إلى دمشق التي تولت نقلها إلى المناطق المنكوبة الواقعة تحت سيطرة الحكومة، فيما بقيت المناطق المنكوبة في شمال غربي البلاد بلا مساعدات حتى اليوم الرابع بعد الزلزال، حين وافقت دمشق على تسهيل انتقالها من المعابر المغلقة منذ أعوام بفعل الحرب الدائرة لأكثر من عقد.
وفيما يتعلق بالموقف العربي، فقد عملت الدول منذ اللحظات الأولى على تدفق المساعدات على الشقيقة السورية بغض النظر عن أي موقف سياسي سابق، إذ تم رفع حذر الطيران على المجال الجوي السوري، وتم فتح عدة جسور جوية لإيصال المساعدات الإنسانية، من العراق والكويت، كما بادرت مصر بإرسال 5 طائرات إغاثة عسكرية محملة بالمساعدات والمواد الطبية لكل من سوريا وتركيا، تلتها مساعدات أخرى.
التكاتف العربي
وأرسل العراق طائرة عسكرية محملة بـ70 طنًا من المواد الإغاثية في اليوم الأول من الزلزال، كما أرسل قافلة تضم 28 صهريجًا محملًا بالوقود، أتبعها بمساعدات أخرى.
بدوره بادر لبنان، كونه من الدول المجاورة لسوريا، رغم ما تمر به البلاد من صعوبات، بإرسال فريق من الصليب الأحمر وفوج إطفاء ودفاع مدني وفريق هندسي للمساعدة في عمليات رفع الأنقاض والبحث عن ناجين، كما تم إعفاء أي حمولات من المساعدات لسوريا، تمر عبر مطار بيروت ومرفأ طرابلس من الرسوم والضرائب.
بدوره، أعلن الأردن عن إرسال 5 طائرات إغاثية إلى سوريا وتركيا محملة بمعدات إنقاذ وخيام ومواد لوجستية وطبية ومساعدات إغاثية وغذائية ومنقذين أردنيين من فريق البحث والإنقاذ الدولي، وأطباء من الخدمات الطبية الملكية.
وتبرعت الكويت بـ15 مليون دولار أمريكي لدعم الجهود الإغاثية ولتخفيف المعاناة الإنسانية عن المتضررين في سوريا.
كما قامت المملكة الأردنية لاحقًا بتسيير قوافل مساعدات برية إلى جميع المناطق المتضررة في سوريا، واليوم الأربعاء، زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، العاصمة دمشق في أول زيارة من نوعها بين الجارتين منذ اندلاع الحرب في 2011.
من جانبها، أعلنت السلطة الفلسطينية عن إرسال فريق للتدخل والاستجابة العاجلة إلى سوريا للمشاركة في جهود الإغاثة بسوريا.
وفي غزة أطلقت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني حملة للتبرع بالدم في القطاع، لصالح جرحى الزلزال في تركيا وسوريا.
كما أطلقت المملكة العربية السعودية حملة شعبية عبر منصة "ساهم" تحت شعار "عطاؤكم يخفف عنهم"، ووفقًا لوسائل إعلام سعودية تجاوزت التبرعات حتى صباح السبت الماضي، 228 مليون ريال سعودي و648 ألف متبرع.
وبادرت الإمارات بتخصيص 50 مليون دولار للمتضررين من الزلزال في سوريا. كما سيّرت 7 طائرات محملة بالمساعدات وأطلقت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، حملة كبرى تحت شعار "جسور الخير" لجمع التبرعات وإغاثة المتضررين.
أما في قطر فنظم التلفزيون الرسمي حملة إغاثية بهدف التبرع ومساندة منكوبي الزلزال تحت شعار "عون وسند" ووصلت قيمة التبرعات لأكثر من 168 مليون ريال قطري.
بدورها سيّرت سلطنة عمان جسرًا جويًا لنقل المواد الإغاثية للمناطق المتضررة من الزلزال في سوريا.
وفي البحرين تم فتح باب التبرع للمواطنين للمساهمة في دعم ضحايا الزلزال بتركيا وسوريا.
وقررت الحكومة الجزائرية تقديم مساعدات مالية بقيمة 15 مليون دولار لسوريا، كما أطلقت جمعية البركة الجزائرية للعمل الخيري والإنساني حملة تحت شعار "حملة الأخوة"، لإغاثة منكوبي الزلزال.
وكانت فرق من الدفاع المدني الجزائري قد وصلت إلى سوريا للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ، فيما هبطت 3 طائرات محملة بالمساعدات في مطار حلب الدولي.
وأرسلت تونس طائرات عسكرية محملة بمساعدات إنسانية عاجلة وفرق نجدة وإنقاذ وفرق طبية مختصة إلى سوريا.
كما بدأ الهلال الأحمر التونسي جمع المساعدات من أجل إرسالها للمتضررين من الزلزال، وأطلق نداءات للأطباء والممرضين الراغبين في التطوع في جهود إسعاف المصابين داخل المناطق المنكوبة جراء الكارثة.