ذاكرة تحمل 60 عامًا من تاريخ مصر، مجسدًا في شخصيات سياسية ورؤساء وفنانين وأحداث ولقطات من الشارع المصري، بعدسة المصور الراحل "الأسطورة فاروق إبراهيم"، الذي قرر نجلاه إعادة إحياء تاريخه من خلال معرض يضم أكثر من 200 صورة خاصة، من أرشيف أحد أهم مصوري الفوتوغرافيا في مصر.
يعود اهتمام فاروق إبراهيم بدخول مجال التصوير السينمائي إلى صورة شاهدها لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في معمل لتحميض الصور، إذ استقطبه هذا العالم لتسجيل لحظات زمانية ومكانية لشخوص فنية وعادية من المجتمع، ليقرر الاتجاه إلى هذه المهنة ويتعلم كل ما هو متعلق بالتصوير من خلال ذهابه رفقة بعض المصورين الأرمن للحفلات الخاصة بالفنانين، ليتعلم منهم ويصور المشاهير ويطبع صورهم، حسبما قاله نجله كريم.
يضم أرشيف فاروق إبراهيم المصور أحداثًا شكّلت ذاكرة الشعب المصري السياسي والاجتماعي والفني خلال 60 عامًا، عمل خلالها بمجال التصوير الفوتوغرافي وجمعته علاقة صداقة قوية بالعديد من الشخصيات البارزة والشهيرة، منها الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، إذ قال كريم فاروق نجل المصور الراحل في تصريحات لـ"القاهرة الإخبارية": "كانت لدى والدي علاقة قوية جدًا بعبد الحليم حافظ، وكان ملازمًا له في حياته، ويثق فيه بدرجة كبيرة ما ساعده على التقاط صور حصرية ولقطات خاصة للعندليب الأسمر".
كان فاروق إبراهيم دائم الوجود في المكان المناسب، ليس فقط بأهمية الحدث ولكن بقوة أثره وانفراده في التسلسل الزمني لتاريخ مصر، إذ ضم المعرض الكثير منها تحت عنوان "الأسطورة فاروق إبراهيم.. هاكر الشوارع"، وحول هذه التسمية قال نجل الراحل إنه أطلق على والده لقب "هاكر الشوارع" لأن معظم المصورين الأرمن ما قبل عام 1952 كانت لديهم استوديوهات مثل "فان ليو" و "زخاري" وكان هو أول من يأخذ الطابع المصري لتصوير الفنانين في الشوارع، وأول من يأخذ التصوير إلى رحاب الشارع متسعينًا بالإضاءة الخارجية، واعتمد أيضًا على التصوير الصحفي الممزوج بالتصوير الفني؛ لذلك كان يعتبر الشارع الاستديو الخاص به، ما صنع لديه مجالات واسعة وأفكارًا جديدة سابقة لعصرها.
ومن الصور التي يضمها المعرض صورة للفنانة نجوى فؤاد في منطقة الإهرامات، إذ كان يصطحب النجوم إلى الشارع وأماكن سياحية ليلتقط لهم صورًا تبرز جمال الأماكن المصرية السياحية، وصورة أخرى للعالم أحمد زويل على مقهى في منطقة الحسين الشهيرة، وأيضًا صورًا لنجيب محفوظ ويحيى الفخراني وأسامة أنور عكاشة على أحد المقاهي.
وصف كريم فاروق مشوار والده في التصوير بأنه أشبه بالرحلة الطويلة، استطاع من خلالها أن يصنع لنفسه أسلوبًا خاصًا، واكتسب ثقة المشاهير ليصبح المصور الرسمي والشخصي لقادة سياسيين وزعماء ورؤساء وفنانين، إذ قال ابنه: "هذه نقطة ارتقاء مهني مهمة في أن تتفق كل هذه الأسماء الكبيرة على مصور واحد وأن يقترن اسمه بهم".
وحول استغراقه نحو 12 عامًا لفتح أرشيف والده في معرض صور له، قال كريم فاروق: "هذا أول معرض لوالدي بعد وفاته، وانتظرت كل هذه الفترة لكي أتعلم هذا الفن وأحكي نيابة عنه، ولأنني لدي أرشيف والدي بالكامل كان يحتم عليّ أن أتعلم أولًا هذا الفن، لكي أستطيع أن أخرج منه صورًا معينة ضمن آلاف الصور، وهذا ما جعلني أيضًا اتجه للعمل مصورًا في الصحف والمجلات حتى أستطيع أن أتحدث عن أرشيف والدي بعين المصور وليس بعين الهاوي فقط".
أما عن احتفاظ والده بهذا الأرشيف المصور الخاص قال نجله: "والدي كان يعلم جيدًا قيمة وأهمية الصور التي يلتقطها، هذا من أساتذة عظماء مثل الراحل حسن دياب صاحب مدرسة الأرشيف في مصر الذي اهتم كثيرًا بتفاصيل التصوير، وأيضًا وضع نظامًا لحفظ ملفاته وأرشفتها لكي يجعل الوصول إليها أسهل وأسرع".
وأضاف "كريم" أن فكرة المعرض جاءت من خلال أسبوع القاهرة للصورة وأطلق عليه "العودة إلى الأصل" لإعادة ما هو قديم للعصر الحديث، ووصفها بأنها فرصة جيدة لإعادة إحياء أرشيف والده لتعريف الشباب المتطلع الجديد على المصور فاروق إبراهيم وأيضًا خلق أفكار جديدة وعصرية لهم.
ويضم المعرض أيضًا صورًا خاصة للرئيس الراحل أنور السادات والفنانين عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وإلهام شاهين وفريد شوقي وسعاد حسني وزبيدة ثروت وهند رستم ونادية الجندي وعماد حمدي وشريهان وأحمد زكي وعمر الشريف وفاتن حمامة، وكذلك صور من الأحياء الشعبية والسياحية، وسجّل بكاميرته أيضًا أحداث زلزال عام 1992 الشهير وغيرها من الأحداث المهمة في تاريخ مصر.