الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

إصرار حكومي وجدل بالجمعية الوطنية.. الفرنسيون يعاودون التظاهر ضد قانون التقاعد

  • مشاركة :
post-title
الاحتاجات الفرنسية على نظام التقاعد- أرشيفية

القاهرة الإخبارية - مروة الوجيه

للمرة الرابعة في أقل من شهر، خرج آلاف الفرنسيين اليوم السبت إلى شوارع العاصمة باريس والعديد من المقاطعات المجاورة الأخرى، احتجاجًا على إصلاح قانون نظام التقاعد الذي يثير العديد من علامات الاستفهام، وانتقادات النقابات العمالية وغيرها من العاملين في القطاعات الصناعية والاقتصادية الأخرى.

ودعا الفرنسيون إلى حشد وتعبئة الشعب للخروج ضد قوانين حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي دعا في المقابل إلى "التحلي بـ"روح المسؤولية" أمام "القوانين الإصلاحية" الجديدة، وهو ما زاد احتقان النقابات العمالية التي تعهدت بعدم التراجع عن خطواتها التصعيدية ضد هذه الخطوات.

ودعت النقابات العمالية للتحرك الكبير اليوم مؤكدة استمرارها في التصعيد حتى يتم سحب القانون الجديد، وأكدت النقابات أن مظاهرات اليوم السبت جاءت ليتاح للعاملين الذين لا يمكنهم القيام بإضراب، المشاركة في التظاهرات التي تعتبرها أقوى سلاح أمام تعنت الحكومة الفرنسية.

وانتشرت الشرطة الفرنسية في جميع أرجاء العاصمة باريس واندلعت بعض المواجهات بين رجال أمن والمحتجين في خطوة قد تثير العديد من الأزمات المقبلة بين الشعب الفرنسي ورجال الشرطة.

وقال لوران بيرجيه رئيس النقابة الإصلاحية "الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل" (سي إف دي تي) إن "تجاوز عدد المشاركين المليون سيشكل نجاحًا كبيرًا"، وفقًا لما أوردته وكالة "فرانس برس".

وفي المقابل نقلت الوكالة الفرنسية عن مصدر في الشرطة أن عدد المشاركين قد يتراوح بين 600 و800 ألف شخص، بينهم تسعون ألفا إلى 120 ألفا في العاصمة باريس فقط.

القانون الشائك

تبني الرئيس ايمانويل ماكرون وحكومته مشروع قانون سن التقاعد بهدف إجراء إصلاحات تساهم في حل الأزمة الاقتصادية على الدولة، ويهدف هذا القانون إلى رفع سن الإحالة على المعاش إلى 64 عامًا.

وكشفت استطلاعات رأي أن معظم الفرنسيين يرفضون جوهر هذا القانون الإصلاحي.

ووفق تصريحات لعدد من المحتجين في الشوارع الفرنسية، أوضح أنه في كثير من المهن اليدوية الشاقة، نادرًا ما يعمل الأشخاص بدنيًا لفترة أطول، وأضافوا أن العاملين يريدون أن يتمكنوا من الاستمتاع بمعاشهم وألا يهلكوا كامل صحتهم على الوظيفة، وفق ما نقلته "فرانس برس".

وبالإضافة إلى رفع سن التقاعد، تهدف الحكومة الفرنسية بقيادة إليزابيث بورن، أيضًا إلى تسريع الزيادة في الوقت الذي يجب دفع الاشتراكات خلاله لتأمين معاش حكومي كامل.

وهناك تدبير آخر سيلغي امتيازات المعاشات التقاعدية الخاصة لفئات معينة من العمال، وسيرتفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي إلى نحو 1200 يورو (1290 دولارًا) شهريًا.

وتشير الحكومة إلى أن الإصلاح ضروري لأن نظام معاشات التقاعد أصبح عبئًا لا يمكن تحمله ويتجه إلى خلق عجز، في المقابل ترى النقابات العمالية أن خطط الإصلاح "غير عادلة".

وغالبًا ما كان لنطاق وديناميكية المظاهرات في فرنسا أثر على نجاح أو فشل جهود الإصلاح من جانب الرؤساء السابقين.

ففي 1995، أسقطت حكومة جاك شيراك إصلاح لنظام المعاشات وسط إضرابات واحتجاجات مطولة بقيادة الطلاب التي أدت تغيير في قوانين العمل في 2006 حتى بعدما أقر البرلمان التغييرات.

وفي 2010، مضي الرئيس آنذاك نيكولا ساركوزي قدمًا في رفع سن التقاعد إلى 62 من 60 رغم شهور من الاضطرابات. وهو ما يقوم به حاليًا ماكرون في محاولة لرفع سن التقاعد مرة أخرى.

تصاعد الأزمة

منذ الإعلان الأول عن طرح قانون سن التقاعد على الجمعية الوطنية (البرلمان) للمناقشة ذات حدة التوتر بين الجمعيات النقابية والحكومة، وعملت النقابات عن تعبئة واسعة، وأن تراجع عدد المتظاهرين والمضربين في يوم التحرك السابق، الثلاثاء الماضي.

وشارك بين 757 ألفًا ومليوني متظاهر، الثلاثاء الماضي، بحسب المصادر، مقابل ما بين 1.27 وأكثر من 2.5 مليون في 31 يناير الماضي.

لكن الحكومة تؤكد تصميمها على تنفيذ هذا الإصلاح. ومع مرور الوقت، وافقت على إدخال بعض التعديلات من دون أن تمس لب المشروع.

وفي المقابل جاء رد النقابات على هذه التعديلات بحدة خاصة بعد تصريحات ماكرون الجمعة الماضي على هذه التحركات النقابية خلال تواجده في بروكسيل.

"روح المسؤولية"

وفي تعليق نادر على هذه القضية الساخنة، دعا الرئيس الفرنسي منظمي الاحتجاجات إلى مواصلة التحلي بـ"روح المسؤولية" حتى "يتم التعبير عن نقاط الخلاف.. لكن بهدوء وفي إطار احترام للممتلكات والأشخاص، ورغبة في عدم تعطيل حياة بقية البلاد".

وأضاف ماكرون، إن الإصلاح "لازم" لضمان استمرارية نظام معاشات التقاعد.

في المقابل جاء رد لوران بيرجيه رئيس النقابة الإصلاحية بغضب على تصريحات ماكرون وتساءل: "عفوًا.. لم نكن مسؤولين منذ البداية؟"، بينما جرت التظاهرات حتى الآن من دون حوادث تذكر. وتحدث عن نوع من "الازدراء".

كما قال رئيس اتحاد النقابات "الكونفدرالية العامة للعمل" (سي جي تي) فيليب مارتينيز، على تصريحات الرئيس الفرنسي: "يمكن أن نرد عليه بعبارات التهذيب ذاتها"، مضيفًا: "عندما يكون هناك استياء كهذا في البلاد ونتحلى بروح المسؤولية، فنحن نصغي" للمطالب.

يذكر أن الاتحاد النقابي في فرنسا يضم 8 منظمات، وسبق له أن أعلن أنه يريد مواصلة التحرك لأمد طويل في خطوة التظاهرات، لذلك دعا إلى يومي تعبئة آخرين في 16 فبراير الجاري، و7 مارس المقبل. وتحدث رئيس اتحاد النقابات "الكونفدرالية العامة للعمل" عن احتمال تنظيم "إضرابات أقوى وأكثر عددًا وأوسع وقابلة للتمديد".

وفي بيان مشترك للنقابات العمالية دعت خلاله إلى سحب مشروع القانون. محذرة من أنها ستسعى إلى شل الحياة في فرنسا اعتبارا من السابع من مارس المقبل، حال عدم تلبية مطالبها.

وأضافت "إذا ظلت الحكومة مغمضة العينين، فإن مجموعة النقابات ستدعو إلى إغلاق فرنسا".

وأضاف البيان النقابي، أن احتجاجات اليوم ستكون هي الأولى التي تخرج في عطلة نهاية الأسبوع دون أن يحتاج الموظفون للإضراب عن العمل أو الحصول على إجازة للمشاركة. كما تأتي بعد الأسبوع الأول من النقاش حول قانون التقاعد في البرلمان.

تعطيل المعارضة.. وإصرار الحكومة

وقد اقترحت تيارات المعارضة الفرنسية إجراء تعديلات جذرية في القانون المتأزم وتم طرح آلاف التعديلات على هذا القانون بهدف وقف التصويت عليه في البرلمان، وإجبار الحكومة في نهاية المطاف على تمرير مشروع القانون دون تصويت برلماني ومن خلال مرسوم، وهي خطوة قد تفسد ما تبقى من ولاية ماكرون.

ومن شأن رفع سن التقاعد عامين وتمديد فترة سداد الموظفين للمساهمات أن يدر 17.7 مليار يورو (19.18 مليار دولار) من المساهمات التقاعدية سنويا، ما يسمح للنظام بالتوازن بحلول عام 2027، وفقا لتقديرات وزارة العمل.

وتقول النقابات إن هناك طرقًا أخرى لتحقيق ذلك مثل فرض ضرائب على فاحشي الثراء أو مطالبة أصحاب العمل أو المتقاعدين ميسوري الحال بتقديم مساهمات أكبر.

في المقابل، دافعت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن التي تقف بالصف الأول في المواجهة، الخميس، عن هذا القانون التي تعتبره أولى خطوات الإصلاح الضرورية، مشددة على ضرورة "ضمان مستقبل نظام المعاشات التقاعدية" للشعب الفرنسي.

وفرنسا واحدة من الدول الأوروبية التي تعتمد أدنى سن قانوني للتقاعد من دون أن تكون أنظمتها متطابقة.

واختارت الحكومة تمديد مدة العمل، لمعالجة التدهور المالي لصناديق التقاعد، وشيخوخة السكان. وهي تؤكد في دفاعها عن مشروعها أنه "سيحقق تقدمًا اجتماعيًا"، لا سيما عبر رفع المعاشات الصغيرة.

يذكر أن الحكومة الفرنسية لا تتمتع بأغلبية مطلقة داخل الجمعية الوطنية (البرلمان) بما يسمح لها بتمرير مشروعها. وهي تعول خصوصًا على دعم اليمين التقليدي.

ولم تؤد النقاشات بشأن النص في الجمعية الوطنية حتى الآن سوى إلى جدل متكرر وتبادل اتهامات بين التيارات الداعمة للرئيس ماكرون وحكومته وبين تيارات المعارضة خاصة المتطرفة منها سواء يمينية أو يسارية.