قبل الضربات التي شنتها الولايات المتحدة مساء الخميس ضد تنظيم "داعش" في شمال غرب نيجيريا، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه سيوقف جميع المساعدات، وسيشن هجومًا "بأسلحة نارية" لاستهداف المسلحين.
وجاءت الضربات الأمريكية في أعقاب تهديد ترامب في وقت سابق من هذا العام باتخاذ إجراء عسكري إذا لم توقف الحكومة النيجيرية قتل المسيحيين على يد المتشددين.
وحسب ما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، لم يحدد ترامب الهجمات التي كان يشير إليها، كما أنه لم يستشهد بأدلة على الادعاء الذي أدلى به العديد من حلفائه السياسيين، بأن المسيحيين يتعرضون للاستهداف في نيجيريا.
ومع ذلك، أُطلق أكثر من اثني عشر صاروخًا من طراز "توماهوك كروز" من سفينة تابعة للبحرية في خليج غينيا، وضربت معسكرين لتنظيم "داعش" في ولاية سوكوتو النيجيرية، وفقًا لمسؤول عسكري أمريكي.
ووفقًا لتقييم أولي أجرته القيادة الأمريكية في أفريقيا(AFRICOM)، أسفرت الضربة عن مقتل عدد من إرهابيي التنظيم.
وكتب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي: "شنت الولايات المتحدة ضربة قوية وقاتلة ضد حثالة داعش الإرهابية في شمال غرب نيجيريا"، متهمًا الجماعة "باستهداف وقتل المسيحيين الأبرياء بوحشية".
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية لوكالة "أسوشييتد برس" إن الولايات المتحدة تعاونت مع نيجيريا لتنفيذ الضربات، وإنها حظيت بموافقة حكومة نيجيريا، وهو ما أكدته وزارة الخارجية النيجيرية في بيان.
تهديد ترامب
في 1 نوفمبر، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه إذا استمرت حكومة نيجيريا في "السماح بقتل المسيحيين، فإن الولايات المتحدة ستوقف على الفور جميع المساعدات والدعم المقدَّم لنيجيريا، وقد تدخل إلى ذلك البلد المخزي بأسلحة نارية".
وكتب: "أصدرتُ تعليماتي لوزارة الحرب بالاستعداد لأي عمل محتمل. إذا هاجمنا، فسيكون هجومًا سريعًا وعنيفًا ومُرضيًا".
بعدها، ردَّ وزير الحرب بيت هيجسيث على منشور الرئيس وكتب: "نعم سيدي"، مضيفًا أن البنتاجون "يستعد للعمل".
وقبل ذلك بيوم، أعلنت إدارة ترامب أنها ستُعيد إدراج نيجيريا ضمن قائمة "الدول التي تُثير قلقًا خاصًا"، وهو تصنيف تمنحه الحكومة الأمريكية للدول التي يُعتقد أنها "ارتكبت انتهاكات جسيمة للحرية الدينية". وكان ترامب قد اتخذ خطوة مماثلة في عام 2020، قرب نهاية ولايته الأولى، قبل أن يتم التراجع عنها خلال إدارة بايدن.
وكان تهديد ترامب بالتدخل العسكري تصعيدًا خطيرًا. وعندما سُئل الشهر الماضي عن تفاصيل خطته، أجاب: "أتصوَّر أمورًا كثيرة. إنهم يقتلون المسيحيين بأعداد غفيرة. لن نسمح بحدوث ذلك".
وفي الأيام التي سبقت تهديدات ترامب، وجَّه العديد من حلفائه السياسيين اتهامات مماثلة؛ فقد اتهم السيناتور تيد كروز، من ولاية تكساس، نيجيريا بـ"تسهيل القتل الجماعي" للمسيحيين.
وبعد الضربات التي وقعت يوم الخميس، أشادت وزارة الخارجية النيجيرية بالتعاون مع الولايات المتحدة، لكنها نفت هذه الاتهامات بشكل قاطع، كما نفت أن تكون التحركات الأمريكية مرتبطة باضطهاد المسيحيين. وقالت الوزارة، في بيان، إن الهجمات الإرهابية ضد المسيحيين أو المسلمين أو أي طائفة أخرى "تمثل إهانة لقيم نيجيريا وللسلم والأمن الدوليين".
وأضاف البيان: "إن العنف الإرهابي بأي شكل من الأشكال، سواء كان موجَّهًا ضد المسيحيين أو المسلمين أو غيرهم من المجتمعات، يظل انتهاكًا لقيم نيجيريا وللسلام والأمن الدوليين".
من جانبه، قال الرئيس بولا أحمد تينوبو، في بيان صدر في نوفمبر، إن وصف نيجيريا بأنها "غير متسامحة دينيًا" هو أمر "لا يعكس واقعنا الوطني"، مشيرًا إلى الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة لحماية حرية الدين والمعتقد لجميع النيجيريين.
العنف في نيجيريا
تضم نيجيريا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 220 مليون نسمة، أعدادًا كبيرةً من المسيحيين والمسلمين. وقد وقعت الضربات الأمريكية، يوم الخميس، في منطقة على طول الحدود النيجيرية مع النيجر، حيث يشنّ "تنظيم داعش في الساحل" هجماتٍ على القوات الحكومية والمدنيين على حدٍّ سواء.
وطالما عانت أجزاء من البلاد من عنف الجماعات المتطرفة، بما في ذلك جماعة "بوكو حرام"، وهي جماعة إرهابية تتخذ من شمال شرق نيجيريا مقرًّا لها، وتشن هجماتٍ على المسيحيين والمسلمين الذين لا تعتبرهم متديّنين بما فيه الكفاية.
كما نفّذت جماعةٌ منشقةٌ عنها، هي "ولاية غرب إفريقيا" التابعة لتنظيم "داعش"، هجماتٍ مماثلة.
وتشير صحيفة "ذا جارديان" البريطانية إلى أن مناطق وسط نيجيريا شهدت اشتباكاتٍ داميةً متكررةً بين الرعاة والمزارعين، حيث أدّى الصراع على الموارد الشحيحة إلى تأجيج التوترات القديمة المتعلّقة بالدين والعرق.
وينتمي الرعاة عادةً إلى عرقية "الفولاني"، وهم مسلمون، بينما ينتمي المزارعون في الغالب إلى المسيحية. وتقتصر بعض النزاعات على استيلاء مسلحين على الأراضي. كما تشهد شمال غرب نيجيريا نشاطًا ملحوظًا لعمليات الخطف مقابل الفدية.
وفي تقريرٍ صدر عام 2024، قالت لجنة الولايات المتحدة المعنية بالحرية الدينية الدولية إن العنف المتطرف في نيجيريا "يؤثّر على أعدادٍ كبيرةٍ من المسيحيين والمسلمين في عدة ولايات".