الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من سقارة إلى الكرنك.. أرض النيل تبوح بأسرار حضارتها القديمة في 2025

  • مشاركة :
post-title
معبد الوادى للملك ني أوسر رع

القاهرة الإخبارية - أحمد منصور

لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا في سجل الآثار المصرية، فبين رمال الصحراء وطبقات الطمي القديمة ودهاليز المقابر التي صمتت لآلاف السنين، عادت الأرض لتتكلم من جديد، لتثبت مصر -عامًا بعد عام- أن تاريخها لم يكتشف بعد بالكامل، وأن كل موسم حفائر يحمل مفاجآت قادرة على إعادة كتابة فصول من الحضارة الإنسانية.

وخلال 2025، حققت البعثات الأثرية المصرية والأجنبية سلسلة من الاكتشافات المهمة، التي لم تُثِر دهشة العلماء فقط، بل أعادت جذب أنظار العالم إلى مصر بوصفها أكبر متحف مفتوح على وجه الأرض.

مقبرة الملك تحتمس الثاني

الكشف عن مقبرة الملك تحتمس الثاني تم بواسطة بعثة أثرية مصرية إنجليزية مشتركة بين المجلس الأعلى للآثار ومؤسسة أبحاث الدولة الحديثة، وذلك في أثناء أعمال الحفائر والدراسات الأثرية بمقبرة رقم C4، بجبل طيبة غربي مدينة الأقصر، جنوبي البلاد.

وتُعد مقبرة تحتمس الثانى أول مقبرة ملكية يتم العثور عليها من عصر الأسرة الثامنة عشرة منذ اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون عام 1922، وهو ما يمنح هذا الكشف أهمية خاصة فى دراسة تاريخ مصر القديمة وفهم تطور الحضارة الفرعونية.

ولم يتوقف التميز عند هذا الحد، إذ تصدّر أحد النقوش المكتشفة داخل المقبرة غلاف عدد مجلة Archaeology الصادر لشهرى يناير وفبراير 2026، فى إشارة إلى الأهمية الفنية والعلمية للنقوش التى تم العثور عليها داخل المقبرة.

وفي بداية أعمال الحفائر، اعتقد فريق العمل أن المقبرة قد تعود لزوجة أحد ملوك التحامسة، نظرًا لقربها من مقبرة زوجات الملك تحتمس الثالث، وكذلك من مقبرة الملكة حتشبسوت، التي أُعدت لها بصفتها زوجة ملكية قبل أن تتولى حكم البلاد كملك وتُدفن في وادي الملوك، إلا أنه مع استكمال أعمال الحفائر كشفت البعثة عن أدلة أثرية جديدة وحاسمة حددت هوية صاحب المقبرة على أنها للملك تحتمس الثاني.

كما أسفرت أعمال الحفائر عن العثور على أجزاء من الملاط تحمل بقايا نقوش باللون الأزرق ونجوم السماء الصفراء، إلى جانب زخارف ونصوص من كتاب الإمي دوات، وتتميز المقبرة بتصميم معماري بسيط، يُعد نواة للتصميمات المعمارية لمقابر عدد من الملوك الذين توالوا على حكم مصر بعد تحتمس الثاني خلال الأسرة الثامنة عشرة.

سقارة… استمرار مفاجآت جبانة العظماء

منطقة سقارة تتصدر المشهد الأثري في 2025، مع الإعلان عن اكتشافات جديدة داخل جبانة تمتد عبر عصور متعددة، وشملت الاكتشافات مقابر لكبار الموظفين والكهنة، تضم تماثيل ملونة وأبوابًا وهمية، ونقوشًا بحالة حفظ لافتة، إلى جانب توابيت حجرية وخشبية لم تمسها يد منذ دفنها.

مصاطب ومقابر ودفنات

اكتشفت البعثة الأثرية المصرية اليابانية مصاطب ومقابر ودفنات، تكشف المزيد عن تاريخ هذه المنطقة الأثرية الهامة.

وخلال أعمال الحفائر الأثرية بالمنحدر الشرقي لمنطقة سقارة، اكتشفت البعثة الأثرية المصرية اليابانية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة كانازاوا اليابانية عن أربعة مقابر يرجع تاريخها إلى أواخر عصر الأسرة الثانية وأوائل الأسرة الثالثة، وأكثر من عشر دفنات من عصر الأسرة الثامنة عشرة من الدولة الحديثة.

وأكد الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار، أهمية هذا الكشف والذي يشير إلى أن منطقة سقارة الأثرية لا تزال تحمل في طياتها العديد من الأسرار التي لم تبُح بها بعد، لافتًا إلى أن هذا الكشف الجديد يشير إلى أن جبانة سقارة الحالية تمتد شمالًا لمساحة أكبر مما هو معروف حاليًا، كما أن اكتشاف دفنات تعود إلى أوائل عصر الأسرة الثامنة عشرة يثبت أن استخدام سقارة كجبانة للدولة الحديثة بدأ عندما أُعيدت مدينة ممفيس كعاصمة للدولة المصرية بعد طرد الهكسوس.

اكتشاف مصطبة طبيب ملكي من الدولة القديمة بسقارة

بجنوب منطقة سقارة الأثرية حيث مقابر كبار رجال الدولة من عصر الدولة القديمة، اكتشفت البعثة الأثرية الفرنسية السويسرية المشتركة، مصطبة من الطوب اللبن لها باب وهمي عليه نقوش ورسومات متميزة، لطبيب يدعى "تيتي نب فو"، والذي عاش خلال عهد الملك بيبي الثاني، وكان يحمل سلسلة كاملة من الألقاب المتعلقة بوظائفه الرفيعة من بينها كبير أطباء القصر، وكاهن الإلهة سركت، و"ساحر الإلهة سركت" أي متخصص في اللدغات السامة من العقارب أو الثعابين وعظيم أطباء الأسنان، ومدير النباتات الطبية.

ويعد إضافة مهمة إلى تاريخ المنطقة الأثرية، كونه يكشف عن جوانب جديدة من ثقافة الحياة اليومية في عصر الدولة القديمة من خلال النصوص والرسومات الموجودة على جدران المصطبة.

والدراسات الأولية تشير إلى أنه من المرجح أن المصطبة كانت تعرضت للسرقة في عصور سابقة، لكن الجدران ظلت سليمة تحمل نقوش محفورة ومرسومة رائعة الجمال، حيث نقش على إحدى جدران المقبرة شكل باب وهمي ملون بألوان زاهية، كما صور مناظر للعديد من الأثاث والمتاع الجنائزي وكذلك قائمة بأسماء القرابين، يعلوها أفريز يحمل ألقاب واسم صاحب المقبرة، كما وُجِد سقف المقبرة مطلي باللون الأحمر تقليدًا لشكل أحجار الجرانيت، وفي منتصف السقف نقش يحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة.

كما عثرت البعثة أيضًا على تابوت حجري نقش الجزء الداخلي منه بخط من الكتابة الهيروغليفية يحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة.

المدينة السكنية الرئيسية لواحات الخارجة

شهد عام 2025 نشاطًا ملحوظًا في مواقع مختلفة، إذ تمكنت البعثة الأثرية المصرية من المجلس الأعلى للآثار والعاملة بمنطقة عين الخراب بمنطقة آثار واحات الخارجة الإسلامية والقبطية بالوادي الجديد، من الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية لواحات الخارجة، التي شهدت فترة التحول من الوثنية إلى الديانة المسيحية.

يلقي الكشف الضوء على حقبة هامة في تاريخ منطقة واحة الخارجة، وهي بدايات العصر القبطي في مصر، مؤكدًا أهمية واحات مصر الغربية كمركز للحياة الدينية والاجتماعية في عصور مختلفة.

بقايا معبد الوادى للملك "ني أوسر رع"

اكتشفت البعثة الأثرية الإيطالية بمنطقة أبو غراب في أبوصير، برئاسة كل من الدكتور ماسيميليانو نوتسولو والدكتور روزانا بيريللي من جامعتي تورينو ونابولي، عن بقايا معبد الوادي للمجموعة الشمسية للملك "ني أوسر رع" من عصر الأسرة الخامسة، خلال أعمال الحفائر الجارية بالموقع.

وأشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إلى أن هذا المعبد أحد معبدي الشمس المعروفين في مصر القديمة حتى الآن، كما أن البعثة نجحت لأول مرة في الكشف عن أكثر من نصف المعبد، حيث ظهر كمبنى ضخم تتجاوز مساحته 1000 متر مربع يتميز بتخطيط معماري فريد يجعله من أكبر وأبرز معابد الوادي في جبانة منف.

وأشار إلى أن عالم المصريات الألماني لودفيج بورخارت حدّد موقع المعبد عام 1901، إلا أن ارتفاع منسوب المياه الجوفية آنذاك حال دون تنفيذ حفائر به.

225 تمثالًا من الأوشابتي الخاصة بالملك شوشنق الثالث بصان الحجر

توصلت البعثة الأثرية الفرنسية العاملة بمنطقة آثار صان الحجر (تانيس) بمحافظة الشرقية، برئاسة الدكتور فريدريك بيريدو من جامعة السوربون، إلى اكتشاف أثري هام داخل إحدى المقابر الملكية الشهيرة بكنوزها، والتي تعود شهرتها إلى عام 1939 حين عُثر بها على مجموعة من أثمن الكنوز المعروفة باسم كنوز تانيس والمعروضة حاليًا بالمتحف المصري بالتحرير.

خلال أعمال التنظيف الأثري لأرضية الغرفة الشمالية بمقبرة الملك أوسركون الثاني من الأسرة 22، اكتشفت البعثة مجموعة كبيرة من 225 تمثالاً جنائزيًا (أوشابتي) للملك شوشنق الثالث، أحد أبرز ملوك الأسرة 22 وصاحب إسهامات معمارية مميزة بمدينة تانيس.

ووُجِدت هذه التماثيل في وضعها الأصلي، داخل طبقات متراكمة من الطمي، بالقرب من تابوت جرانيتي غير منقوش كان عُثر عليه سابقًا دون تحديد هوية صاحبه.

يُعد خطوة حاسمة في حل أحد الألغاز الأثرية طويلة الأمد، إذ تشير الدلائل العلمية الجديدة إلى أن التابوت يعود للملك شوشنق الثالث، وهو ما يفتح المجال أمام دراسات جديدة حول طبيعة الدفن الملكي خلال تلك الفترة، وما إذا كان الملك دُفن داخل مقبرة أوسركون الثاني أو أن مقتنياته الجنائزية نُقلت إليها لاحقًا لحمايتها.

العثور على أطلال مدينة "إيمت"

تم العثور في منطقة تل الفرعون (تل نباشة) بمركز الحسينية في محافظة الشرقية، عن مبانٍ سكنية يُرجَّح أنها تعود إلى أوائل أو منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، من بينها منشآت يُعتقد أنها "بيوت برجية"، والتي هي عبارة منازل متعددة الطوابق لتستوعب أعدادًا كبيرة من الناس، وتتميّز بجدران أساس سميكة جدًا لتحمل وزن المبنى نفسه، وتنتشر هذه البيوت بشكل خاص في دلتا النيل من العصر المتأخر وحتى العصر الروماني، كما كشفت البعثة أيضًا عن مبانٍ أخرى كانت تستخدم لأغراض خدمية مثل تخزين الحبوب أو إيواء الحيوانات.

وفي منطقة المعبد، عثرت البعثة على أرضية كبيرة من الحجر الجيري وبقايا عمودين ضخمين من الطوب اللبن، يُحتمل أنهما كانا مغطَّيين بالجص، ويُعتقد أن هذه البقايا تنتمي إلى مبنى شُيّد فوق طريق المواكب الذي كان يربط بين صرح العصر المتأخر وصرح معبد واجيت، ما يشير إلى خروج هذا الطريق من الخدمة بحلول منتصف العصر البطلمي.

وأُعيد معبد واجيت خلال فترة حكم الملك رمسيس الثاني، ثم مرة أخرى في عهد الملك أحمس الثاني، وخلال الفترة الأخمينية استُخدم كمحجر.

الكشف عن مدينة تعود للدولة الوسطى في منطقة الكرنك

تضمن إنجازات 2025 اكتشاف عن أقدم مدينة ومستوطنة تعود لعصر الدولة الوسطى في معابد الكرنك، إذ أسفرت أعمال الحفر والتنقيب عن كشف مدينة متكاملة في أقصى الركن الجنوبي الشرقي بالمعبد والتي تعود لفترة الدولة الوسطى 2050 قبل الميلاد- 1710 قبل الميلاد وظل العمل بها لأكثر من 1000 عام مضى.

وأسفرت أعمال الحفر والتنقيب التي تتم هناك عن كشف مدينة متكاملة أو مستوطنة في هذا الجزء من المعبد، والذي يقع بين السور القديم من الطوب اللبن، وهو الذي شيده الملك تحتمس الثالث من الأسرة 18 (عهد الدولة الحديثة) والسور الضخم الذي يحيط بمجموعة معابد الكرنك والذي يرجع لعهد الملك نختنبو الأول من عصر الأسرة 30.

وتكمن أهمية هذه المستوطنة المكتشفة بمعابد الكرنك، هي أنها تعود لفترة الدولة الوسطى 2050 قبل الميلاد- 1710 قبل الميلاد، وبهذا تعد هذه المستوطنة من أقدم المدن والمستوطنات العمالية التي تم الكشف عنها داخل معابد الكرنك على الإطلاق إن لم تكن الأقدم، وظل استخدام هذه المستوطنة حتى في عصر الدولة الحديثة 1670 ق م - 1069 ق م.

الآثار والهوية

لم تكن اكتشافات 2025 مجرد إضافة رقمية لقائمة القطع الأثرية، بل حملت أبعادًا أعمق تتعلق بالهوية والذاكرة والتاريخ المشترك للإنسانية، كما دعمت هذه الاكتشافات خطط الدولة في تنشيط السياحة الثقافية، وربط المواقع الأثرية بالمتحف المصري الكبير ومنظومة العرض الحديثة.

حصاد الاكتشافات الأثرية في مصر خلال 2025 يؤكد حقيقة واحدة لا تتغير، أن أرض مصر لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، فكل كشف جديد يفتح بابًا لأسئلة أعمق، وكل قطعة تخرج إلى النور تعيد تشكيل وعينا بتاريخ لم يكن يومًا ماضيًا منتهيًا، بل حاضر حي يتجدد، وفي عالم يبحث عن جذوره، تظل مصر هي نقطة البداية والنهاية.