شهد عام 2025 تحولًا نوعيًا في العقيدة الدبلوماسية والأمنية المصرية، حيث انتقلت القاهرة من مرحلة إدارة الأزمات إلى مرحلة "فرض التوازنات" عبر تفعيل استراتيجية الخطوط الحمراء. ولم تكن هذه الخطوط مجرد حدود جغرافية، بل مثلت أداة ردع فعالة أعادت ضبط حسابات القوى الإقليمية والدولية، وحددت سقوف الحركة للمشاريع التوسعية والمخططات التي تستهدف تصفية القضايا العربية أو تهديد وحدة دول الجوار.
السودان.. وحدة الدولة واتفاقية الدفاع المشترك
برز الملف السوداني في عام 2025 كأحد أخطر دوائر الأمن القومي المصري، مما دفع الرئاسة المصرية لإصدار تحذير صارم من تجاوز "خطوط حمراء" لا تقبل القاهرة التهاون فيها.
وتتمثل هذه الخطوط في الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، والرفض القاطع لأي محاولات للانفصال أو إنشاء كيانات مسلحة موازية للمؤسسة العسكرية الشرعية.
وتأكيدًا لجدية هذا الموقف، لوحت القاهرة بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك مع الخرطوم؛ لضمان حماية مؤسسات الدولة السودانية من الانهيار.
وبالتوازي مع هذا الردع، دعمت مصر رؤية الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب لتحقيق الاستقرار، مع التمسك بالعمل ضمن الرباعية الدولية لإنشاء ممرات إنسانية آمنة، وضمان تأمين الملاحة في البحر الأحمر، ومنع أي وجود لميليشيات أو قواعد معادية على الساحل السوداني.
غزة.. إجهاض التهجير وفرض التهدئة
في قطاع غزة، رسمت مصر "الخط الأحمر الأعرض" برفضها القاطع لتهجير الفلسطينيين قسرًا خارج أراضيهم المحتلة، وهو الموقف الذي نجح في إفشال المخططات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.
وتكللت الجهود المصرية، بالتعاون مع الوسطاء الدوليين، بالوصول إلى اتفاق تاريخي لوقف الحرب في غزة تم توقيعه في شرم الشيخ في أكتوبر 2025 برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتتمسك القاهرة في مرحلة ما بعد الحرب بسيادتها الكاملة على حدودها وإنهاء الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة، رافضة أي وجود إسرائيلي دائم يغير الوضع القانوني والأمني هناك.
كما تقود مصر حاليًا الجهود العربية والإسلامية لإعادة إعمار القطاع المنكوب، مع اشتراط وجود إدارة فلسطينية وطنية تضمن الاستقرار وتمنع تحول القطاع إلى بؤرة تهديد للأمن القومي المصري.
الأمن المائي.. حق وجودي لا يقبل التفاوض
أدخلت الدبلوماسية المصرية "الحق في المياه" ضمن حزمة الخطوط الحمراء الوجودية، إذ أكدت وزارة الخارجية المصرية أن المساس بحصة مصر المائية يمثل تهديدًا مباشرًا للحياة، وهو ملف يقع في قلب الأولويات الاستراتيجية للدولة.
وتتحرك مصر في هذا المسار برؤية واضحة تعتبر أن الأمن المائي جزء لا يتجزأ من منظومة الدفاع عن الدولة، ولن يتم التهاون في أي ضرر يمس مياه المصريين.
الوساطة الفاعلة والدبلوماسية الخشنة
إلى جانب قوة الردع، رسخت مصر دورها كـ"وسيط فاعل" في أزمات الإقليم؛ حيث نجحت في تقريب وجهات النظر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودخلت بقوة على خط الأزمة اللبنانية-الإسرائيلية، داعية إلى انسحاب الاحتلال وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
وتعتمد مصر في عام 2025 على ما يمكن وصفه بـ"الدبلوماسية الخشنة"، وهي سياسة تزاوج بين دعم الحلول السياسية والوساطات السلمية، وبين الاستناد إلى قدرات عسكرية ضخمة وقواعد استراتيجية مثل "محمد نجيب" و"برنيس".
إن هذه الخطوط الحمراء لم تعد مجرد تصريحات، بل أصبحت واقعًا سياسيًا أجبر القوى الدولية على احترام المصالح المصرية العليا، وضمن للدولة المصرية دور المرجعية الجامعة في منطقة تموج بالاضطرابات.