قال وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبدالعاطي، إن الالتزام المشترك ببناء نظام دولي أكثر عدلًا واستقرارًا هو تعبير صادق عن تطلع شعوبنا إلى عالم يقوم على المساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام وحدة أراضيها وحق شعوبها في تقرير مصيرها، وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة.
أضاف "عبدالعاطي" أنه من هذا المنطلق، تؤكد مصر أن إصلاح النظام الدولي يجب أن يقوم على أسس العدالة والتوازن، لتعبر المؤسسات الدولية عن التعددية الحقيقية في النظام الدولي، لا عن اختلالات الماضي، إيمانًا بأن صوت إفريقيا، بكل ما تمثله من ثقل بشري واقتصادي وسياسي وديمغرافي، يجب أن يكون حاضرًا ومؤثرًا في صياغة القرارات الدولية الكبرى، ولا سيما في هياكل التمويل الدولية وفي إطار إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما يتماشى مع توافق أوزوليني وإعلان سرت.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها "عبدالعاطي"، اليوم السبت، نيابة عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة "الروسية الإفريقية"، المنعقد بالعاصمة المصرية القاهرة، بمشاركة دولية وإفريقية واسعة.
وأعرب وزير الخارجية المصري عن اعتزاز بلاده العميق بالشراكة الإفريقية الروسية، التي انطلقت خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019 بانعقاد قمتها الأولى في سوتشي، برئاسة مشتركة بين الرئيسين المصري والروسي فلاديمير بوتين، مرحبًا بالوفود والوزراء المشاركين في المؤتمر المنعقد بالعاصمة المصرية القاهرة.
ويأتي انعقاد هذا اللقاء الوزاري تتويجًا للتطور المتواصل في العلاقات الإفريقية - الروسية، واستمرارًا للزخم الذي شهدته القمتان السابقتان في سوتشي عام 2019 وسانت بطرسبورج عام 2023، كما يمثل خطوة عملية نحو تنفيذ خطة عمل منتدى الشراكة 2023-2029 ، ومناسبة لإطلاق حوار بناء حول صياغة خطة العمل المقبلة للفترة 2026-2029، التي سيتم اعتمادها خلال القمة الإفريقية - الروسية الثالثة، وبما يخدم مصالح شعوبنا المشتركة ويحقق الأمن والتنمية والاستقرار في القارة الأفريقية بأسرها.
وأوضح وزير الخارجية المصري أن الحوار السياسي المنتظم بين الدول الإفريقية وشركائها الدوليين، وفي مقدمتهم روسيا الاتحادية، هو حجر الزاوية في بناء التفاهم المتبادل، وتعزيز الثقة، وتنسيق المواقف حيال القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وفي هذا الإطار، نوه إلي أن مصر ترى في التعاون الإفريقي الروسي آلية مهمة لدعم الأهداف المشتركة في أجندة الاتحاد الإفريقي 2013: "إفريقيا التي نريد، ولا سيما من خلال دعم التفعيل الكامل لاتفاقية التجارة الحرة القارية، بما يدعم جهود التكامل الإقليمي ويحقق النمو الشامل، ويضمن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب القارة، وفقًا لأولوياتها الوطنية وبمنأى عن أي إملاءات خارجية".
كما تؤكد مصر، وفي إطار ريادتها لملف إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات واستضافتها لمركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار، وكذا رئاسة اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات النيباد، فضلًا عن استضافتها لمقر وكالة الفضاء الإفريقية ومركز تميز النيباد المعني بالمرونة المناخية، التزامها العمل بكل جد لحشد التمويل للمشروعات القارية الرامية لدفع أجندة التكامل الإقليمي، وتنفيذ برامج ومشروعات تلبي طموحات شعوبنا الأفريقية وتحقق أهداف السلم والأمن المستدامين.
الصعيد الأمني
وذكر "عبدالعاطي" أن مصر تتابع بقلق بالغ تصاعد التوترات الدولية وتنامي النزاعات المسلحة والتهديدات الإرهابية في بعض مناطق القارة الإفريقية، لما لذلك من آثار مدمرة على استقرار الدول ونموها الاقتصادي، وفي هذا السياق تدرك مصر أهمية تسوية النزاعات بالطرق السلمية، ورفض التدخلات الخارجية التي تفاقم الأزمات بدلًا من حلها.
وأشار إلي أن مصر تدعم في هذا الإطار تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2719 بشأن تمويل عمليات دعم السلام الإفريقية، بما يضمن استدامة الجهود الإفريقية في حفظ الأمن والاستقرار دون الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية.
وشدد وزير الخارجية المصري على أن بلاده وهي تواجه ندرة شديدة في الموارد المائية الصالحة للشرب والزراعة، تعتمد بشكل رئيسي على نهر النيل باعتباره شريان الحياة الوحيد لشعبها.
وأوضح أنه انطلاقًا من هذا الواقع تولي مصر أهمية خاصة لتعزيز التعاون في إدارة الأنهار العابرة للحدود وفقًا لقواعد القانون الدولي ذات الصلة، وفي مقدمتها مبدأ الإخطار المسبق وضرورة عدم الحاق الضرر بدول المصب، فالمياه -والأنهار العابرة للحدود على وجه الخصوص- يجب أن تكون جسرًا للتعاون والتفاهم بين الشعوب، لا سببًا للتوتر أو النزاع وهو ما نحرص على تأكيده في كل محفل إقليمي ودولي.
الصعيد الإقليمي
قال "عبدالعاطي" إن مصر انطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية تجاه قضايا المنطقة، لعبت دورًا مؤثرًا في التوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتؤكد دعمها الثابت لحل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كما تؤكد مصر ضرورة البدء العاجل في جهود إعادة الإعمار وتقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني الشقيق، ورفض أية محاولات لفرض حلول أحادية أو تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للأراضي الفلسطينية، أو تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
وأكد وزير الخارجية المصري في ختام كلمته عزم بلاده الراسخ على مواصلة العمل المشترك لتعزيز التعاون بين إفريقيا وروسيا، والمساهمة في إطلاق مرحلة الإعداد للقمة الإفريقية - الروسية الثالثة؛ لتكون خطوة نوعية جديدة في مسار هذه الشراكة الاستراتيجية.
ونوه بأن مصر تؤمن بأن مستقبل هذه الشراكة لا يقوم على المصالح فحسب، بل على رؤية مشتركة لمستقبل أكثر أمنًا وعدالة وتنمية للشعوب كافة، وتطمح من خلالها إلى إرساء قواعد الاحترام المتبادل، وتحقيق التنمية المستدامة، وضمان الاستقرار الإقليمي بما يخدم الأمن الجماعي والمصالح المشتركة.