منذ لحظاته الأولى، لا يقدّم فيلم "فلسطين 36" نفسه بوصفه عملًا تاريخيًا تقليديًا يستعيد وقائع الماضي، بل يذهب أبعد من ذلك ليطرح تساؤلات أخلاقية وإنسانية حول العدالة والحق والذاكرة، في زمن تتقاطع فيه الأزمنة ولا تنفصل فيه الحكاية القديمة عن واقع حاضر لا يزال مفتوحًا على الألم والأسئلة.
داخل هذا الإطار الإنساني العميق، تأتي مشاركة الفنان السوري جلال الطويل لتعبّر عن قناعة فنية وموقف أخلاقي في آن واحد، حيث رأى في الفيلم فرصة لتقديم رواية صادقة عن واحدة من أكثر القضايا عدلًا في التاريخ المعاصر، بلغة سينمائية تلامس جوهر الإنسان.
كشف الفنان السوري جلال الطويل عن كواليس مشاركته في الفيلم مؤكدًا أن العمل لا يمكن اختزاله في كونه فيلمًا تاريخيًا، بل هو طرح أخلاقي وإنساني يعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول العدالة والحق والذاكرة.
وأوضح الطويل أن الدافع الأساسي لمشاركته في الفيلم كان رغبته في التعاون مع المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر، التي وصفها بأنها واحدة من أهم الأصوات السينمائية العربية المعاصرة، لما تتمتع به من رؤية فنية عميقة وقدرة على تقديم القضايا الكبرى بلغة إنسانية صادقة.
أول عرض عربي للفيلم
وأعرب جلال الطويل عن سعادته بعرض الفيلم للمرة الأولى أمام الجمهور العربي ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي، معتبرًا أن التجربة كانت مؤثرة وتحمل قيمة معنوية كبيرة بالنسبة له، خاصة أنها مشاركته الثانية في المهرجان، ما منحه إحساسًا خاصًا بالانتماء والتقدير.
مرحلة مفصلية
وأشار إلى أن السيناريو كان عنصر الجذب الأهم بالنسبة له، لما يحمله من عمق فكري وإنساني، خاصة أنه يتناول القضية الفلسطينية في واحدة من أكثر مراحلها التاريخية حساسية، واعتبر الطويل أن مشاركته في الفيلم تمثل شرفًا كبيرًا، خصوصًا أنه يقدم هذه القصة بصفته فنانًا سوريًا يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية ويراها قضية إنسانية بامتياز.
اللهجة الفلسطينية
وتطرق "الطويل" إلى التحديات التي واجهته خلال التحضير للدور، موضحًا أن إتقان اللهجة الفلسطينية كان أحدها، لكنه لم ينظر إليها كعائق حقيقي، بل كتحدٍ مهني طبيعي يمكن تجاوزه بالاجتهاد والعمل، إلا أن التحدي الأصعب، بحسب وصفه، كان تجسيد شخصية رجل دين بصورة صادقة وبعيدة عن النمطية، في ظل الصورة (الكلاشيه) التي غالبًا ما تُقدَّم بها هذه الشخصية في الوعي العربي.
إنسان قبل أن يكون رمزًا
وأضاف "الطويل" أن هاجسه الأساسي، بالتعاون مع المخرجة آن ماري جاسر، كان تقديم شخصية حقيقية نابضة بالإنسانية، بعيدًا عن القوالب الجاهزة، حتى يشعر الجمهور بالصدق ويرى نفسه داخل العمل، مؤكدًا أن الهدف لم يكن تقديم رمز جامد، بل إنسان يعيش صراعاته وأسئلته في زمن شديد القسوة.
وتوقف جلال الطويل عند الرسالة الفكرية للفيلم، مؤكدًا أن عام 1936 ليس زمنًا منقطعًا عن حاضرنا، بل هو قريب جدًا مما نعيشه اليوم، وأن فهم ما جرى قبل عام 1948 يعد مفتاحًا أساسيًا لفهم الواقع الفلسطيني الراهن.
وشدّد على أن الفيلم لا يستحضر التاريخ من باب الحنين أو البكاء عليه، بل من أجل الوعي بالجذور وفهم المسار.
تمثيل فلسطين بالأوسكار
وعن اختيار الفيلم لتمثيل فلسطين رسميًا في سباق جوائز الأوسكار، عبّر الطويل عن فخره الكبير بهذه الخطوة، معتبرًا أن الأوسكار يتشرّف بوجود فيلم يتحدث عن فلسطين، وأن هذا الترشيح يمثل إنجازًا مهمًا يسهم في إيصال الرواية الفلسطينية إلى العالم بلغة السينما.
موقف إنساني
وأكد جلال الطويل أن التعاطف مع القضية الفلسطينية لا يتطلب أن يكون الإنسان فلسطينيًا، بل يكفي أن يكون مؤمنًا بالحق والعدالة، مشددًا على أن مشاركته في "فلسطين 36" تمثل بالنسبة له موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا قبل أن تكون تجربة فنية، ومناصرة صريحة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.