الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

معضلة مركبة.. ما تعقيدات المشهد السياسي والأمني في غزة 2026؟

  • مشاركة :
post-title
اجتماع مجلس الأمن ليلة السابع عشر من نوفمبر 2025 لإصدار القرار الدولي رقم 2803

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

لا يزال مستقبل قطاع غزة أحد بواعث القلق الرئيسية على مشروع إقامة الدولة الفلسطينية، إن لم يكن المحرك الرئيسي لتطورات متتالية تشكل ملامح منطقة الشرق الأوسط الجديد لعقود قادمة، إذ تستثمر إدارة ترامب في الإنجاز الدبلوماسي الأهم في ولايته الثانية من أجل إعادة هندسة المنطقة وتعزيز نفوذ واشنطن ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية فيها بإبرازها كضامن للاندماج الإقليمي عبر بوابة "السلام الإبراهيمي" التي توسع أفق سلام الشرق الأوسط ليشمل فاعلين جدد من الجوار الإسلامي المباشر وصولًا للفاعلين الأوروبيين الكبار.

وأعطت موافقة مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار أمريكي معدل يدعم خطة الرئيس ترامب لإحلال السلام في غزة بإنشاء مجلس السلام باعتباره هيئة حكم انتقالية لمدة عامين، إشارة البدء بالانتقال إلى استحقاقات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وعلى رأسها تشكيل قوة استقرار دولية تعمل بالتنسيق مع حكومة محلية من التكنوقراط ومدعومة بقوات شرطة فلسطينية كما تنسق عملياتها في نزع سلاح القطاع وتوفير الهدوء المستدام على الحدود بالتنسيق مع كل من مصر وإسرائيل.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي ملامح المشهد في غزة والتعقيدات الأمنية والهيكلية لتشكيل الأجسام الحكومية والأمنية خلال عام 2026.

واقع أمني حاكم

تعتمد خطة الولايات المتحدة للسلام في غزة على الأدوار الفاعلة للوسطاء (مصر وقطر وتركيا) في القطاع إلى جانب الأدوار الخليجية الأوسع في دعم إعادة الإعمار وتمويل العمليات الإنسانية مع وجود أفق سياسي لحل الدولتين يضمن تمكين السلطة الوطنية بعد إصلاحها وإضعاف دور الفصائل المسلحة في قضايا الأمن والحوكمة للدولة الفلسطينية المأمولة. هذا التوازن بين إبعاد حماس مع إيكال مسؤولية التعامل معها لأطراف موثوقة يظهر الرؤية الواقعية لتنفيذ القرار بنزع السلاح الذي يعتمد في المقابل على انتزاع تنازلات من الجانب الإسرائيلي تضمن القبول بعودة تدريجية للسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة تبدأ من اختيار أحد وزرائها الغزيين لرئاسة اللجنة الفلسطينية المكلفة بإدارة الشؤون اليومية للمواطنين في القطاع.

(&) التعامل مع الفصائل: تبدي "حماس" وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة مرونة نسبية في ملف نزع السلاح شريطة انتفاء أسباب حمله عبر إنهاء الاحتلال والحصول على ضمانة عربية ودولية بعودة السلطة الوطنية وإقامة الدولة الفلسطينية، وفي هذا السياق تقترح "حماس" التجميد المرحلي في سياق مفاوضات جدية داخلية من جهة وبين الفرقاء الفلسطينيين من جهة ثانية وبين الجانب الفلسطيني وكل من الولايات المتحدة والوسطاء والضامنين من جهة ثالثة.

وعلى الرغم من ذلك تظل هناك تحديات في ملف سلاح القطاع وكيفية التعامل معه، وفي مقدمة تلك التحديات وجود تفاهمات حتمية مع الفصائل من أجل نزع سلاحها وتفكيك بنيتها التحتية العسكرية من شبكة أنفاق ذات قيمة استراتيجية في استراتيجية الفصائل ولا تزال غير واضحة المعالم ومرافق لإنتاج وتصنيع الذخائر والتي تبدو أدوات بدائية من غير الممكن فرض رقابة صارمة عليها دون الدخول في احتكاكات مباشرة مع القوة الدولية. كما أن التفاهمات مع الفصائل قد تساهم في السيطرة على فوضى وتعدد السلاح من أجل تجنب أو خفض التصعيد مع الميليشيات المحلية التي دعمها جيش الاحتلال والشاباك بالتمويل والتسليح، ومن المهم وضع جدول زمني لنزع وتسليم سلاح تلك العناصر من قبل الشرطة الفلسطينية تحت إشراف وتسهيل قوة الاستقرار الدولية.

(&) التلاعب الإسرائيلي: وفي مقابل تلك التصريحات، يبدو المشهد على الأرض أكثر تعقيدًا في ضوء حالة الفوضى المستشرية في أنحاء القطاع والدور التخريبي لإسرائيل في إنشاء ودعم ميليشيات محلية بهدف تسهيل إدارة القطاع وتصفية بؤر المقاومة وخلق واقع أمني جديد على أطراف قطاع غزة، مع احتكار السيطرة الأمنية على المعابر الرئيسية للقطاع. ويتمثل دور إسرائيل كذلك في إعاقة دخول معدات رفع الركام والمنازل المؤقتة، مع استمرار عرقلة دخول كميات كافية من المساعدات.

وتبقي إسرائيل على ورقة المعابر كأداة ضغط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في مسعى لانتزاع مكاسب استراتيجية في القطاع، بالإضافة لاستغلاله كورقة انتخابية في الداخل من أجل إبقاء ملف التهجير على الطاولة وبالتالي تعزيز فرص بقاء نتنياهو على قمة النظام السياسي الإسرائيلي لسنوات قادمة عقب تقديمه طلبًا للعفو إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، بالنظر لكون المدة الزمنية المتبقية من عمر حكومته قد شارفت على الانتهاء من جهة، وأن بقاءه مهددٌ على ذمة قضايا فساد تدفع به إلى فقدان إرثه السياسي وانهيار حكومته وتحالفاته في معسكره العقائدي من جهة أخرى. وبالتالي تظل قدرة نتنياهو على المناورة بقلب الطاولة وإعادة ترتيب المشهد قائمة ومحتملة؛ إما بتفجير إحدى بؤر التوتر الإقليمي من ناحية أو تجميد تنفيذ الخطة مؤقتًا وبالتالي الاستعداد لإجراء انتخابات خلال الربع الأخير من عام 2026، وقد يُجرى تبكيرها خلال الربع الثاني.

ترتيبات الحوكمة والإدارة الدولية

رغم تباين آراء المجتمع الدولي إزاء قرار مجلس الأمن 2803، مع وجود درجة من الغموض على بعض البنود وعلى رأسها تشكيل مجلس السلام كهيئة حكم انتقالية دون صلاحيات واضحة، إلا أن حالة الإجماع على غياب تفاصيل محاور رئيسية في الخطة تخلق مساحة للمناورة والتفاوض بين الأطراف الرئيسية في النزاع من جهة والأطراف العربية والدولية التي طالبت بضمانات أمريكية وأممية من أجل دعم خطة ترامب كليًا والمشاركة في تنفيذ بنودها وعلى رأسها إعادة الإعمار وقوة الاستقرار الدولية.

(*) هيكل الحكم والإدارة: تقدم رؤية الإدارة الأمريكية هيكلًا من ثلاث مكونات لإدارة قطاع غزة خلال مرحلة انتقالية تنتهي بصورة مبدئية بحلول 31 ديسمبر 2027، وفي مقدمتها مجلس السلام برئاسة الرئيس دونالد ترامب وعضوية 10 قادة إقليميين وغربيين، يشرف على ترتيبات تمويل وتنفيذ مشروعات إعادة الإعمار، يليه في الترتيب مجلس تنفيذي دولي يتولى مهام الحكومة وتشرف على لجنة فلسطينية من التكنوقراط معنية بمتابعة الشئون اليومية للفلسطينيين في غزة.

ويظهر ذلك الهيكل أن الإدارة الأمريكية تواجه انعدامًا للثقة من مختلف الأطراف المنخرطة في اتفاق شرم الشيخ لإنهاء الحرب على غزة، فمن جهة لم تتخل الدول العربية والإسلامية والأوروبية الداعمة للخطة عن إقرارها في مجلس الأمن الدولي متضمنة النص على إيجاد أفق سياسي لدولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، ومن جهة أخرى لا يزال الضمان الشخصي للرئيس الأمريكي هو الكابح الرئيسي لجموح سياسة القوة الإسرائيلية.

كما أن التأخر في إعلان تشكيل مجلس السلام نابع من ضغوطات إسرائيلية وعربية حول شكل ومستقبل قطاع غزة والاعتراضات على مشاركة بعض الدول بأدوار سياسية وأمنية في القطاع، إلى جانب اشتراطات رئيسية من الدول الممولة لجهود إعادة الإعمار على ضمان مستقبل أكثر أمنًا واستدامة وعدم العودة لما قبل 7 أكتوبر 2023، وقد مثل استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من مجلس السلام بناءً على اعتراضات دول عربية وإسلامية مؤشرًا على مخاوف من مواءمات محتملة بين بلير والقيادة الإسرائيلية، وأدى بالتالي لبحث إعادة الثقة مع الشركاء العرب بالحديث عن اختيار المبعوث الأممي السابق للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف.

(*) صلاحيات قوة الاستقرار وآليات تشكيلها: يخول قرار مجلس الأمن 2803 لمجلس السلام والدول العاملة معه تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحفظ الاستقرار تحت قيادة موحدة تعمل "بالتشاور والتعاون الوثيقين" مع كل من مصر وإسرائيل خلال الفترة من يناير 2026 وحتى 31 ديسمبر 2027، وتهدف لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار وتنفيذ العمليات اللازمة لتنفيذ خطة ترامب بشأن إحلال السلام ونزع سلاح القطاع وحماية المدنيين بما في ذلك تأمين العمليات الإنسانية والتعاون مع المنظمات الإنسانية الأممية لإيصال المساعدات إلى الغزيين.

وتشمل مهام القوة تأمين المناطق الحدودية في غزة والانتشار في أنحاء القطاع بالتوازي مع الانسحاب التدريجي لجيش الاحتلال الإسرائيلي وفق ترتيبات خطة ترامب بالتنسيق مع الولايات المتحدة والضامنين، وما تحرزه القوة من تقدم في ضمان نزع سلاح القطاع وتدمير البنى التحتية العسكرية والأسلحة الهجومية للفصائل، مع احتفاظ إسرائيل بمحيط أمني بصفة مؤقتة يرتبط الانسحاب منه بضمان "تأمين غزة على نحو كافٍ من أي تهديد إرهابي متجدد" وفق نص البيان.

ويرتبط تشكيل قوة الاستقرار بالأطراف الرئيسية في اتفاق شرم الشيخ والتي رعت جهود التهدئة في غزة على مدار عامين إلى جانب الولايات المتحد، بالإضافة إلى مجموعة الدول الثماني العربية والإسلامية الرئيسية في تلك العملية وهي مصر وقطر وتركيا والسعودية والإمارات والأردن وإندونيسيا وباكستان. كما يرتبط عمل القوة بصورة أساسية بوجود قنوات اتصال وتفاهم دائم مع كل من مصر وإسرائيل اللتين تملكان الحق في إمكانية إنهاء مهام القوة أو الاعتراض على تجديد ولايتها في نهاية تفويضها 31 ديسمبر 2027.

وإجمالًا؛ يمثل الوضع في قطاع غزة تعقيدات متزايدة على الصعيد الداخلي من فوضى انتشار السلاح وتعدد الولاءات وتدخل إسرائيل في البعد الأمني الداخلي لإغراق الغزيين في حرب أهلية بين ميليشيا عشائرية ومناطقية من جهة، والسيطرة الأمنية الكاملة على المعابر وامتلاك محيط أمني داخل حدود القطاع لمدى زمني غير محدد يبرز من خلال تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال حول الخط الأصفر. ويعد الوضع الأمني المستقبلي في غزة محل تفاوض مع الوسطاء والضامنين وقوة الاستقرار المأمولة وفق الخطة لمنح الشرعية لأي تحركات سياسية في الملف الفلسطيني عمومًا ومستقبل القطاع على وجه الخصوص، مما يحد من قدرة نتنياهو على المناورة ويضعه أمام استحقاق اتخاذ خطوات لا رجعة فيها تنهي ملف التهجير وتعريض تحالفاته في الداخل للخطر أو المخاطرة بفقدان التأثير في قرارات الإدارة الأمريكية التي باتت تتراجع خطوات إلى الوراء عن مواقف نتنياهو التصعيدية إلى إشراك القوى العربية والإقليمية في رسم مستقبل القطاع من أجل إنجاح أولى عمليات السلام في ولاية ترامب الثانية وأكثرها تعقيدًا وستتطلب دخول السلطة الفلسطينية على الخط، مما قد يدفع لزيادة التباين في أجندة الرئيس الأمريكي عن بنيامين نتنياهو.