كشف علي ناصر محمد، رئيس الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية الأسبق، ملامح جديدة حول أحداث 22 يونيو 1969، التي انتهت بتنحي قحطان الشعبي أول رئيس لليمن بعد الاستقلال، موضحًا الظروف التي أحاطت بقرار الاستقالة والمسارات التي قادت إلى واحدة من أكثر اللحظات حسمًا في التاريخ السياسي لليمن.
وخلال لقائه مع الإعلامي سمير عمر في برنامج "الجلسة سرية" على قناة "القاهرة الإخبارية"، تحدث علي ناصر محمد عن بداية الأزمة، مشيرًا إلى أن "الشعبي" أصدر في تلك الفترة قرارًا جمهوريًا يقضي بإقالة وزير الداخلية، كانت هناك مطالبات تريد من "الشعبي" التراجع عن الإقالة، لكنه كان صعبًا عليه أن يتراجع بعد أن أعلن قراره.
وأضاف أن القيادة العامة للجبهة الجمهورية ناقشت بدائل متعددة للخروج من المأزق، موضحًا أنه طرح في مذكراته فكرة تشكيل حكومة جديدة دون الوزير المقال، واصفًا إياه بأنه رجل متوازن ولا علاقة له بالتطرف اليساري الذي كان سائدًا في تلك الفترة، وأن الاتهام الذي وُجّه إليه بمراقبة مكالمات الرئيس كان اتهامًا باطلًا.
كما أشار إلى أن أحد الخيارات كان نقل الوزير المقال إلى وزارة أخرى بدلًا من إعادته إلى الداخلية، إلا أن تلك الحلول لم تصل إلى نتيجة، مضيفًا: "في النهاية، وبعد تصاعد النقاشات والتوترات والخلافات، اضطر الرئيس الشعبي للخروج عن صمته وإعلان استقالته من إذاعة عدن، حيث تولى الضابط المرافق العسكري حمل نص الاستقالة إلى الإذاعة، وكان واضحًا أن القرار النهائي كان التنحي أو الاستقالة".
وتطرق علي ناصر محمد إلى اجتماع عُقد في منزل قحطان الشعبي، مبينًا أن النقاش كان يجري بصورة طبيعية إلى أن دخل شخص يحمل ورقة، وهو ما أثار غضب الشعبي بسبب المعلومات غير الصحيحة التي وردت له، التي ألمحت إلى وجود مؤامرة.
وأوضح أن التوتر العام والحالة النفسية للمشاركين دفعت الجميع إلى تصديق وجود محاولة انقلاب، وهو ما أدى في النهاية إلى قراره بالتنحي.
وتابع أن الاجتماع اللاحق في مقر الحزب الاشتراكي انتهى بانتخاب سالم ربيع علي رئيسًا لمجلس الرئاسة، فيما تم وضع "الشعبي" تحت الإقامة الجبرية.
قوى خارجية أشعلت الصراع
واعتبر رئيس الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية الأسبق أن ما حدث بحق قحطان الشعبي كان حماقة من الجميع، سواء من ارتكبها أو من ساهم فيها، لافتًا إلى أن الأحداث التي شهدتها عدن في تلك المرحلة كانت مدفوعة من قوى خارجية ساهمت في إشعال الصراع، وهو ما أدى إلى تصعيد كبير وغير مفهوم.
وقال إن تنحي "الشعبي" كان بمثابة خسارة لقيادات وكفاءات يمنية كبيرة، وإن التنظير القادم من خارج اليمن لعب دورًا أساسيًا في سلسلة الصراعات التي أصابت الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي.
وتوقف علي ناصر محمد عند تجربة اليمن الديمقراطية الشعبية في سبعينيات القرن الماضي، موضحًا أن هيمنة التيار اليساري عام 1970 دفعت الجمهورية إلى تبني برنامج سياسي ذي طبيعة يسارية، مشيرًا إلى أن نقل التجارب الخارجية إلى عدن لم يكن ملائمًا لخصوصية الوضع اليمني القبلي والسياسي والديني والاجتماعي.
وروى رئيس اليمن الأسبق، كيف كان اليمنيون يتأثرون بتجارب الصين وموسكو وكوبا، وبالمد القومي العربي والهتافات الثورية آنذاك، قائلًا: "كنت وطنيًا قوميًا.. ولائي للوطن واليمن والشعب.. ومع الأسف بعضنا تأثر بالخارج، لكن يمكن الاستفادة من تجارب الآخرين دون بالضرورة تطبيقها حرفيًا على واقع اليمن".
وعاد الرئيس الأسبق ليقف عند أحداث عام 1970، التي برز فيها الخيار اليساري الاشتراكي كمسار واضح لجنوب اليمن، مشيرًا إلى أنه تولى منصب وزير الدفاع قبل إعلان الجمهورية في 1969، وأن عام 1972 يوصف بأنه "عام العواصف" لكثرة الأحداث السياسية والعسكرية التي تخللته، من حرب بين الشمال والجنوب، إلى الانتفاضات الداخلية، وانعقاد المؤتمر العام للحزب الاشتراكي اليمني.
اغتيال أحمد الغشمي
كما تناول علي ناصر محمد حادثة اغتيال أحمد الغشمي في الشمال واتهام سالم ربيع علي بالوقوف وراءها، مشيرًا إلى أن الهدف الحقيقي من العملية كما روّج له كان فتح الطريق أمام الوحدة بين الشمال والجنوب، لكن الأسلوب لم يكن مقبولًا.
وقال إن تفجير الحقيبة التي أدت إلى مقتل الغشمي انتهى باستقالة ربيع، معتبرًا ذلك خسارة لرجل كان وطنيًا.
وتحدث أيضًا عن إهدار الفرص السياسية بعد تلك الأحداث وما تلاها من ضغوط على سالم ربيع، موضحًا أنه رفض مقترحًا لاغتيال رئيس الشمال، وأنه حاول إيجاد مخرج لا يشمل إقالة ربيع أو محاسبته، عبر تشكيل لجنة لمحاسبة رئيس الوزراء ووزير الداخلية.
لكنه أكد أن الأمور بلغت حدًا خطيرًا عندما تعرّض سكن ربيع لإطلاق النار، ما أدى إلى اشتباكات استمرت 24 ساعة انتهت باستسلامه.