انتشرت مقاطع فيديو مؤثرة بمواقع التواصل الاجتماعي، لحادثة التدافع التي وقعت بكوريا الجنوبية، في أثناء الاحتفالات بالهالوين، التي راح على إثرها أكثر من 150 قتيلًا، وتظهر صور الفيديو جموعًا من الناس، محصورين في ممر انحداري ضيق لا يكاد أي منهم تحرك من الضيق، ثم بدأ التدافع عليهم من كل جهة، فوقع بعضهم على الأرض، بينما لم يستطع آخرون التنفس.
وبدأ حجم الكارثة يتكشف تدريجيًا، فكانت سيارات الإسعاف مكتظةً بالجرحى الذين توجب نقلهم إلى المستشفيات، وتركت جثث الذين فارقوا الحياة. وكانت الجثث بأزياء هالوين مرصوفة ليلًا في أغطية زرقاء، ونقل بعضها في سيارات الإسعاف. وشرع المارة في محاولات الإسعاف بالإنعاش الرؤي، رفقة فرق الإنقاذ التي أرسلت من مختلف مناطق البلاد. وحضرت العائلات والأقارب، صباح الأحد الماضي، إلى مكان الحادث للبحث عن أقاربهم.
اعتراف كوريا الجنوبية بفشل السيطرة على الحادث
ووضعت الحادثة كوريا الجنوبية في موقف محرج أمام العالم، إذ قال الرئيس الكوري يون سوك يول، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، إن كوريا الجنوبية تفتقر إلى الأبحاث حول إدارة الحشود.
وفي ظل تزايد النقد الإعلامي بشأن إخفاق الشرطة والوكالات الحكومية في السيطرة على الحشود في منطقة إيتوان، قدّم وزير الداخلية الكوري الجنوبي لي سانج مين، اعتذاره للمواطنين عن حادث التدافع الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 156 شخصًا.
فيما اضطر رئيس الشرطة إلى الاعتراف بمسؤولية كبيرة عن الفشل في منع موجة الحشود الأخيرة التي أدت إلى مقتل أكثر من 156 شخصًا وإصابة العديد، قائلًا إن "الضباط لم يتعاملوا بفاعلية مع مكالمات الطوارئ السابقة حول الكارثة الوشيكة".
ونقلت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء عن الوزير لي القول في جلسة برلمانية: "أعتذر بشدة للمواطنين لوقوع الحادث الأخير، على الرغم من أن الدولة تتحمل المسؤولية المطلقة عن سلامة المواطنين".
وبدوره، صرّح المفوض العام لوكالة الشرطة الوطنية الكورية "يون هي كيون" في مؤتمر صحفي: "أشعر بمسؤولية ثقيلة جراء الكارثة التي حدثت في أثناء الاحتفال، وستبذل الشرطة قصارى جهدها لمنع حدوث مأساة كهذه مرة أخرى"، بحسب وكالة "سبوتنيك".
وقال "يون" إن تحقيقًا أوليًا وجد أن هناك عديدًا من المكالمات العاجلة من المواطنين لإخطار السلطات بالخطر المحتمل لتجمع حشد في إيتوان، لكن الضباط الذين تلقوا هذه المكالمات لم يستجيبوا لها بطريقة مرضية.
وقررت السلطات الكورية الجنوبية، دفع تعويض إلى كل ذوي الضحايا الأجانب في حادث التدافع، وقال مصدر بوزارة الخارجية الكورية، إن الحكومة ستقدم تعويضًا قدره 20 مليون وون (14 ألفًا و114 دولارًا أمريكيًا) ونفقات للجنازة بحد أقصى 15 مليون وون (10 آلاف و585 دولارًا أمريكيًا) إلى كل من الضحايا الأجانب، موضحًا أن هذا القرار جاء بعد مناقشات بين الوزارات المعنية، مشيرًا إلى أن وزارة الخارجية تتشاور مع السفارات ذات الصلة من أجل اتخاذ إجراءات لازمة بسلاسة، من خلال تخصيص موظف بالوزارة لكل ضحية، وفقًا لوكالة الأنباء الكورية.
وتركزت الكارثة التي خلّفت ما لا يقل عن 156 قتيلًا و151 جريحًا في زقاق ضيق منحدِِر في إتيوان، ووصف الشهود اللحظات القاسية لسقوط الأشخاص على بعضهم، والمعاناة من صعوبات شديدة في التنفس وفقدان الوعي. كما ذكروا أن رجال الإنقاذ وعربات الإسعاف فشلوا في الوصول إلى الأزقة المزدحمة في الوقت المناسب لأن منطقة إتيوان بأكملها كانت مليئة بالمركبات بطيئة الحركة وحشد من رواد الحفلات يرتدون أزياء الهالوين.
السلطات الكورية المحلية كشفت السبب الرئيسي لحادث التدافع، فوفقًا لتصريحات السلطات وشهود العيان، فإن الاندفاع المفاجئ لحشود المحتفلين بالهالوين إلى زقاق ضيق يبلغ عرضه 4 أمتار في منطقة "إيتوان" بسيول، تسبب بمحاصرة المئات من الأشخاص ومنعهم من الحركة أو الهروب، قبل أن يبدأ بعضهم في السقوط وإسقاط غيرهم، وفق لوكالة "يونهاب".
وفي مشهد يجسد تذكيرًا مؤلمًا للكارثة ومشهدًا قاسيًا يعبر عن عشرات الضحايا والأسر المتأثرة بفقدان ذويهم، جُمعت مئات الأحذية المهجورة في صفوف مرتبة في صالة ألعاب رياضية بالعاصمة سيول، بحسب ما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، وجمعت الشرطة أحذية التنس المتهالكة، وغيرها من الأحذية كجزء الأشياء الشخصية التي تركها الضحايا والناجون من المأساة، على أمل أن يستعيدها أصحابها أو أصدقاؤهم وعائلاتهم.
وقالت "أسوشيتد برس" إن نحو 250 زوجًا من الأحذية التي تم جمعها في الملعب هي جزء من مجموعة ضخمة من متعلقات عثر عليها في موقع الحادث بعد المأساة، وهناك مئات من قطع الملابس منها معاطف، وأزياء شخصيات سينمائية وحقائب وهواتف محمولة، وسماعات أذن بلوتوث وبعض جوازات السفر.
كوريا الجنوبية تتلقى العزاء من الدول الأوروبية جراء مأساة التدافع
من جانبه, أرسل الملك تشارلز، ملك بريطانيا، خطاب تعزية لرئيس كوريا الجنوبية، في ضحايا التدافع المأساوي في سيول، وقال، في الخطاب الذي نشره الحساب الرسمي للعائلة المالكة البريطانية عبر "تويتر": "عزيزي حضرة الرئيس، أردت منكم أن تعرفوا مدى الصدمة والحزن الشديدة التي شعرت بها أنا وزوجتي عندما سمعنا عن عديد من الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم نتيجة للحادث المأساوي الأخير فى إتيوان، سيول".
وتابع: "بالرغم من أن هذا ربما يكون غير ملائم في ظل هذه الظروف المفجعة، فإننا نعرب عن تعاطفنا العميق مع جميع العائلات الثكلى، ونقدم أفكارنا الخاصة وتمنياتنا بالشفاء العاجل لجميع المصابين".
فيما أعرب الرئيس البولندي أندريه دودا، عن خالص تعازيه في ضحايا حادث التدافع، وقال دودا: "في هذا الوقت العصيب أعرب عن أحر التعازي لأسر وأصدقاء الضحايا وكذلك إلى شعب كوريا الجنوبية في أعقاب هذه المأساة التي لا يمكن تصورها".
يُذكر أن إتيوان الذي احتضن هذا العام أول احتفالات هالوين دون كمامات، منذ انتشار جائحة كورونا، يعد واحدًا من أشهر الأحياء في العاصمة سيول لمحبي الحفلات الساهرة، إذ يتردد على المكان محليون وأجانب كل نهاية أسبوع، وتزداد أعداد المرتادين كثيرًا في احتفالات الهالوين.