تواجه برامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية في إفريقيا انهيارًا خطيرًا بعد القطع المفاجئ للمساعدات الأمريكية والأوروبية مطلع العام الجاري؛ في أزمة تهدد بعكس مكاسب عقود من الجهود وتُنذر بـ 3.3 مليون إصابة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، وفقًا لتقارير أممية ودولية حديثة.
كارثة إنسانية
كشفت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية عن مشاهد مأساوية تعكس حجم الكارثة في عدة دول إفريقية، إذ تقطعت السبل بفتاة مراهقة تعرضت للاغتصاب في موزمبيق أمام عيادة صحية مغلقة، بينما سجلت زيمبابوي ارتفاعًا في الوفيات المرتبطة بالإيدز لأول مرة منذ خمس سنوات.
أما في إثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فلم يحصل المرضى المشتبه بإصابتهم على التشخيص اللازم بسبب نفاد أدوات الفحص من المخازن الطبية، وفقًا لتقارير ميدانية وثقت الوضع الكارثي.
قرارات مفاجئة
أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جميع برامج المساعدات الخارجية في يناير الماضي دون سابق إنذار، ولم تستأنف سوى جزء محدود منها حتى الآن.
وتبعتها بريطانيا ودول أوروبية أخرى بإعلان تخفيضات مماثلة، ما أدى إلى انخفاض المساعدات الصحية الدولية بنسبة تتراوح بين 30% و40% مقارنة بمستويات عام 2023، بحسب التقديرات الدولية.
هذه القرارات دفعت ويني بيانيما، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز، للتحذير من أن "النظام البيئي المعقد الذي يدعم خدمات علاج فيروس نقص المناعة في عشرات الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تعرض لهزة في صميمه".
وحذَّر البرنامج الأممي من أن عدم التحرك السريع لإعادة الخدمات إلى مسارها الصحيح سيؤدي إلى 3.3 مليون إصابة جديدة إضافية بحلول 2030 أكثر من المتوقع.
خدمات الوقاية تنهار
أظهر تقرير برنامج الأمم المتحدة أن خدمات الوقاية من العدوى كانت الأكثر اعتمادًا على التمويل الخارجي، وبالتالي تعرضت للضرر الأشد، إذ تم تفضيل علاج المرضى الحاليين على حساب برامج الوقاية بسبب محدودية الموارد، كما أنه في بوروندي وحدها، انخفض عدد الأشخاص الذين يتلقون الأدوية الوقائية بنسبة 64%.
وأكدت منظمة "فرونت لاين إيدز" الخيرية البريطانية في سلسلة تقارير ميدانية شملت أنجولا وكينيا ومالاوي وموزمبيق ونيجيريا وتنزانيا وأوغندا وزيمبابوي، أن الأرقام الكاملة لحجم الكارثة ستستغرق وقتًا لجمعها، لكن بعض الدول تشهد بالفعل ارتفاعًا في حالات الإصابة الجديدة والوفيات بعد سنوات من الانخفاض المستمر.
إغلاق العيادات المتخصصة
تضررت بشدة الفئات الأكثر عرضة للإصابة، والتي شكَّلت محور التقدم في مكافحة الفيروس خلال السنوات الأخيرة، وتشمل حالات المثلية الجنسية، ومتعاطي المخدرات بالحقن، والعاملين في الجنس، والمتحولين جنسيًا، ونزلاء السجون، إذ أُغلقت العيادات المتخصصة والمنظمات المجتمعية التي كانت تقدم خدمات مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات هذه الفئات في بيئة آمنة بعيدًا عن الوصم الاجتماعي.
تضررت الفتيات المراهقات والشابات في إفريقيا جنوب الصحراء، اللاتي يتأثرن بشكل غير متناسب بالفيروس، حيث كانت البرامج المصممة خصيصًا لهن من بين أولى ضحايا التخفيضات المالية.
بوادر أمل وسط الأزمة
رغم قتامة المشهد، أشار جون بلاستو، المدير التنفيذي لمنظمة "فرونت لاين إيدز"، إلى أن "التقدم يتراجع بالفعل"، لكنه رأى إمكانية لإعادة تشكيل السياسات الصحية، مؤكدًا أن "عدة دول تشهد أولى علامات تعاون الحكومات والمجتمعات المحلية لبناء استجابة محلية أكثر استدامة لمواجهة الفيروس".
وأشار برنامج الأمم المتحدة إلى بصيص من الأمل مع تعهد دول منها نيجيريا وأوغندا وكوت ديفوار وجنوب إفريقيا وتنزانيا بزيادة الاستثمار المحلي، إضافة إلى الزخم المتزايد للابتكارات مثل الأدوية الحديثة طويلة المفعول التي تُعطى بالحقن للوقاية من العدوى.