كشف مسؤولون أمريكيون وأوكرانيون عن إحراز تقدم ملموس في محادثات جنيف الرامية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الأوروبية للخطة الأمريكية المُكوَّنة من 28 نقطة، والتي يصفها حلفاء واشنطن بأنها "مُتساهلة للغاية مع موسكو ومُقيّدة لسيادة كييف"، مع تأكيد قادة أوروبيين رفضهم القاطع لأي تغيير للحدود بالقوة أو تقييد للقدرات العسكرية الأوكرانية.
تفاؤل أمريكي أوكراني
أشاد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بالمحادثات واصفًا إياها بـ"المُجدية للغاية"، مؤكدًا أنها شكّلت "اليوم الأكثر إنتاجية" منذ فترة طويلة في الجهود الأوسع لإنهاء القتال، وفقًا لما نقلته شبكة "سي إن بي سي" الإخبارية الأمريكية.
وأعرب روبيو عن تفاؤله الكبير بإمكانية التوصل لاتفاق، لكنه امتنع عن الكشف عن تفاصيل جوهرية، مكتفيًا بالإشارة إلى استمرار المناقشات يوم الاثنين 24 نوفمبر وربما لبقية الأسبوع.
ولفت روبيو إلى احتمالية فصل دور أوروبا ومسؤولياتها المُحددة في الخطة الأمريكية عن الجوانب المُتعلقة مباشرة بمسؤوليات روسيا وأوكرانيا، مُنبهًا إلى أن أي منتج نهائي سيتعين عرضه على موسكو، قائلًا: "من الواضح أن الروس لهم صوت هنا".
وقلل روبيو من أهمية الموعد النهائي الذي حدده الرئيس ترامب يوم الخميس 27 نوفمبر، لرد أوكرانيا على الخطة، مشيرًا فقط إلى رغبة المسؤولين في وقف القتال في أسرع وقت ممكن، خاصة أن ترامب نفسه ألمح لإمكانية تمديد الموعد حال وجود دليل على تقدم حقيقي.
من جانبه، أكد رئيس الوفد الأوكراني ورئيس ديوان الرئاسة أندريه يرماك إجراء "جلسة أولى منتجة للغاية" مع الوفد الأمريكي المتميز، مشددًا على إحراز "تقدم جيد جدًا" نحو سلام عادل ودائم، بحسب صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
وأشار إلى عقد جلسة ثانية قريبًا بمشاركة الشركاء الأوروبيين للعمل على مقترحات مشتركة، موضحًا أن القرارات النهائية ستتخذها الرئاسات.
تصريحات حادة بين ترامب وزيلينسكي
قبل انطلاق المحادثات، هاجم الرئيس ترامب القيادة الأوكرانية عبر منصته الإلكترونية "تروث سوشيال": "القيادة الأوكرانية لم تعبر عن أي امتنان لجهودنا، وأوروبا تواصل شراء النفط من روسيا".
وجاء رد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سريعًا عبر تيليجرام، معربًا عن امتنان بلاده للولايات المتحدة ولكل قلب أمريكي، وشخصيًا للرئيس ترامب، شاكرًا الجميع في أوروبا أيضًا.
لكن زيلينسكي شدد على أن "جوهر الوضع الدبلوماسي بأكمله هو أن روسيا وحدها، هي من بدأت هذه الحرب"، مؤكدًا أهمية عدم نسيان الهدف الرئيسي وهو وقف حرب روسيا ومنع اشتعالها مجددًا.
وأضاف زيلينسكي لاحقًا أن هناك تفاهمًا بأن المقترحات الأمريكية قد تأخذ في الاعتبار "عددًا من العناصر" المهمة لأوكرانيا دون مزيد من التفصيل، مشيرًا إلى وجود تفاهم بأن هذه المقترحات قد تستند للرؤية الأوكرانية والمصالح الوطنية الحيوية لبلاده.
جدل حاد حول أصل الخطة
أثارت الخطة الأمريكية المُكوّنة من 28 نقطة والرامية لإنهاء الحرب التي استمرت قرابة أربع سنوات قلقًا شديدًا في كييف والعواصم الأوروبية.
وتفاقمت المخاوف بعد تصريحات مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين أفادت بأن روبيو أخبرهم يوم السبت أن الخطة نشأت من روسيا وتمثل فعليًا "قائمة أمنيات" لموسكو وليست دفعة جادة للسلام، وفق ما ذكرته شبكة "سي إن بي سي".
ونفى متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية هذه الرواية واصفًا إياها بـ"الكاذبة"، فيما اتخذ روبيو خطوة استثنائية بالتلميح عبر الإنترنت إلى أن أعضاء مجلس الشيوخ مخطئون رغم أنهم قالوا إنه كان مصدرهم للمعلومات.
وأعرب رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عن استعداد وارسو للعمل على الخطة مع قادة أوروبا وكندا واليابان، لكنه تساءل: "سيكون من الجيد معرفة من هو بالضبط مؤلف الخطة وأين تم إنشاؤها".
ووصف السيناتور مارك وارنر، الديمقراطي الأبرز في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، خطة السلام في حديثه لبرنامج "هذا الأسبوع" على شبكة "أي بي سي" نيوز بأنها تبدو "تقريبًا كسلسلة من النقاط الحوارية الروسية"، مشيرًا إلى أنها جعلت الأوروبيين "يشعرون بأنهم تُركوا تمامًا في العراء" وأدت إلى "رد فعل غاضب".
رفض قاطع للتنازلات الإقليمية
استبعدت أوكرانيا وحلفاؤها بشكل قاطع أي تنازلات إقليمية، إذ أشارت "سي إن بي سي" إلى أن المخطط الأمريكي، الذي نشأ من مفاوضات بين واشنطن وموسكو، يوافق على العديد من المطالب الروسية التي رفضها زيلينسكي بشكل قاطع في عشرات المناسبات، بما في ذلك التخلي عن أجزاء كبيرة من الأراضي، وهو ما أقسم الزعيم الأوكراني أن شعبه "سيدافع دائمًا" عن وطنهم ضدها.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن أي خطة سلام مستدامة في أوكرانيا يجب أن تتضمن وقف القتل والحرب، مؤكدة عبر حسابها على موقع "إكس": "نحن وافقنا على العناصر الأساسية فقط من أجل سلام مستدام واستقلال أوكرانيا".
وشددت فون دير لاين على أنه "لا يمكن أن يتم تغيير الحدود بالقوة ولا يمكن تحديد أو تقليل القوات المسلحة الأوكرانية، مما يعرض البلاد لهجمات في المستقبل ويعرض أمن أوروبا للخطر"، مؤكدة حق أوكرانيا في اختيار مصيرها واختيارها للمسار الأوروبي.
من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الشركاء في أوروبا ومجموعة السبع يرحبون بجهود الولايات المتحدة لإحلال السلام في أوكرانيا، لكنه أكد أن خطة ترامب المكوّنة من 28 نقطة يجب تطويرها، مشددًا على أنه لا يمكن تغيير أي حدود بالقوة، وأنه "يجب ألا تُترك أوكرانيا عُرضةً للخطر أبداً".
وشدد ماكرون على أن أي قرار يتعلق بالاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو يجب أن يحظى بموافقة أعضائه، قائلاً: "دعمنا الجماعي لأوكرانيا حاسم. أمن وحرية أوروبا بأكملها على المحك".
وقبل الاجتماع مع المسؤولين الأمريكيين، التقى يرماك وفريقه أيضًا مع مستشاري الأمن القومي من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إذ تحالف الحلفاء حول كييف في دفعة لتعديل الخطة التي يُنظر إليها على أنها تفضل موسكو.
وأوضحت أليس روفو، الوزيرة المنتدبة في وزارة الدفاع الفرنسية، في حديثها لإذاعة "فرانس إنفو" الفرنسية، قبل محادثات الأحد، أن نقاط النقاش الرئيسية ستشمل القيود المفروضة على الجيش الأوكراني في الخطة، واصفة إياها بـ"تقييد لسيادتها"، مؤكدة أن "أوكرانيا يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها" وأن "روسيا تريد الحرب وشنت الحرب مرات عديدة في السنوات الماضية".