تشهد آسيا توترًا حادًا بعد تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، التي أكدت خلالها أن بلادها "سترد عسكريًا" إذا قامت بكين بأي عمل عسكري لاستعادة تايوان.
التصريحات التي وُصفت بأنها الأخطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من جانب أي مسؤول ياباني، فجّرت سلسلة من التداعيات شملت تهديدات عسكرية صريحة، واستدعاء سفراء، وتوقيف رحلات الطيران، وحتى إشارات إلى "قطع الرؤوس" في خضم حرب التصريحات بين البلدين.
وتعد التصريحات الأخيرة، هي الأولى من نوعها، منذ استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945، التي تصدر عن زعيم ياباني في مناسبة رسمية، وتربط أمن بلاده مباشرة بقضية تايوان، وهو ما يطلق عليه "حالة التهديد الوجودي"، ويتيح للحكومة اليابانية تفعيل حق "الدفاع الجماعي"، بما يسمح للجيش بالتحرك العسكري حتى دون التنسيق المسبق مع واشنطن، وهو ما وصفته الصين حكومة وشعبًا بـ"جهل التاريخ، وانحياز لخطاب اليمين الياباني، الساعي لربط مصير تايوان بمصالح اليابان الأمنية، والتلويح باستخدام القوة".
تحذير صيني
وفي خضم التصعيد المتبادل بين الجانبين، أصدرت وزارة الخارجية الصينية تحذيرًا شديد اللهجة للمواطنين الصينيين، دعتهم فيه إلى تجنب السفر إلى اليابان في الوقت الراهن، في ظل تدهور الوضع الأمني وتصاعد التوتر السياسي بين البلدين.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استدعت الصين السفير الياباني في بكين، ووجهت له احتجاجًا شديد اللهجة، واصفة التصريحات بأنها "تنتهك القانون الدولي والمعايير الأساسية للعلاقات الدولية".
وتضمن الاستدعاء الصيني اعتراضًا اتهم تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية بتقوّض النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، وتتعارض مع مبدأ الصين الواحدة والوثائق السياسية الأربعة بين البلدين، متهمة طوكيو بضرب الأساس السياسي للعلاقات الصينية اليابانية.
تحذيرات من حرب عالمية ثالثة
كانت البداية من منشور عبر منصة "إكس" للقنصل العام الصيني في مدينة أوساكا اليابانية، شيو جيان الذي كتب: "يجب قطع الرقبة القذرة التي تتدخل في أمور غيرها"، في إشارة صريحة إلى التصريحات التي أدلت بها رئيسة الوزراء اليابانية، قبل أن يحذف المنشور لاحقًا.
وعلّقت وزارة الدفاع الصينية قائلة: "أي تدخل ياباني محتمل في قضية تايوان سيعد عدوانًا عسكريًا صريحًا وسنواجهه بالقوة الساحقة"، مؤكدة أنه إذا لم يتعلم الجانب الياباني من الدروس المستقاة من التاريخ وتجرأ على المجازفة أو حتى استخدام القوة للتدخل في مسألة تايوان، فلن يكون أمامه سوى أن يتكبّد هزيمة ساحقة أمام جيش التحرير الشعبي الصيني ذي الإرادة الفولاذية ويدفع ثمنًا باهظًا.
فيما وصفت وزارة الخارجية الصينية التصريحات بأنها أخطر تدخل ياباني في الشأن التايواني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكونها تربط أمن اليابان مباشرة بقضية تراها بكين جزءًا لا يتجزأ من سيادتها ووحدتها الترابية.
وبدوره، قال السفير الصيني لدى اليابان وو جيانج هاو، إن "الحكومة الصينية والشعب الصيني والجيش الصيني يعبّرون عن غضبهم الشديد ومعارضتهم القاطعة"، مطالبًا طوكيو بالتراجع الفوري عن تصريحاتها "الكارثية" وتجنب "المضي في المسار الخاطئ".
مواجهة إعلامية
أما وسائل الإعلام الرسمية الصينية فرأت أن المنطقة أمام لحظة مفصلية في مسار العلاقات الآسيوية، إذ قالت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية، إن اليابان تاريخيًا استخدمت خطاب "التهديدات" و"الأوضاع الطارئة" لتبرير توسّعاتها العسكرية في ثلاثينيات القرن الماضي، محذّرة من أن إعادة استخدام هذا الخطاب اليوم قد يكون مؤشرًا على رغبة طوكيو في إعادة بناء قدراتها الهجومية وتجاوز القيود التي فرضها الدستور السلمي بعد الحرب العالمية الثانية.
وشددت الصحيفة الصينية، أن قضية تايوان تمثل نواة مصالح الصين الأساسية؛ ومن يجرؤ على المساس بهذه الخطوط الحمراء فسيقابل برفض قاطع من أكثر من 1.4 مليار صيني
ووافقها في الرأي موقع "أوبزرفر" الصيني الذي قال أيضًا، إن رئيسة الوزراء اليابانية نسيت عبرة تاريخية جوهرية وهي أن الغزو العدواني لا يجلب إلا الكارثة على صاحبه، فاليابان التي اعتمدت سياسة الميليشيا والتوسع العسكري آنذاك هُزمت هزيمة ساحقة.
وذهب الموقع الصيني إلى التباهي بقوة جيشه، إذ أكد أن الصين اليوم هي ليست الصين الضعيفة التي تعرضت للاعتداء عام 1931، ولا الدولة الفقيرة التي اضطرت للتخلي عن تايوان عام 1895؛ نحن مصممون على الدفاع عن سيادتنا وسلامة أراضينا بقوة لا تلين، وقادرون على دحر مخططات الانقسام ومواجهة أي تدخل خارجي.
أما صحيفة "تشاينا ديلي" الصينية، فركزت على استذكار التاريخ، إذ قالت: "في ثلاثينيات القرن الماضي، رفعت النخبة العسكرية اليابانية شعار منشوريا هي شريان حياة اليابان، لتبرير تفجير خط سكة حديد ليوتياجو عام 1931 واتهام الصين به، قبل أن تشرع في احتلال شمال شرقي البلاد. وتكرر السيناريو عام 1937 مع حادثة جسر ماركو بولو التي استخدمتها اليابان ذريعة لشن حرب شاملة على الصين. وباسم "الخطر الوجودي"، ارتكبت القوات اليابانية فظائع واسعة، وأوقعت أكثر من 35 مليون ضحية بين قتيل وجريح في صفوف المدنيين والعسكريين خلال 14 عامًا من الغزو".
اليابان تتحرك نوويا
وعلى الرغم من حالة الغضب الصيني الكبيرة من تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية، فإن طوكيو حتى هذه اللحظة لم تصدر أي اعتذار أو توضيح، وهو ما اعتبرته بكين دليلًا على "سوء تقدير خطير للواقع الإقليمي".
صحيفة "سانكي شيمبون" اليابانية نقلت عن عدد من المسؤولين الحكوميين قولهم: "رئيسة الوزراء اليابانية، تدرس إدخال تعديلات جوهرية على المبادئ الثلاثة اللا نووية بالتزامن مع المراجعة المرتقبة لاستراتيجية الأمن القومي وغيرها من الوثائق الدفاعية بحلول نهاية العام المقبل".
ويعد هذا التوجه بحسب الصحيفة اليابانية أكبر تحول في السياسة النووية اليابانية منذ ستة عقود. وعلى الرغم من حساسية الملف، تجنبت رئيسة الوزراء اليابانية تقديم إجابة مباشرة خلال جلسة للبرلمان حين سئلت عما إذا كانت ستلتزم بالمبادئ الثلاثة.
وأشار إلى أن الوثائق الأمنية "قيد المراجعة" وأن الوقت "غير مناسب لطرح تفاصيل التعديلات"، كما اتخذ كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، موقفًا ضبابيًا إذ لم يستبعد احتمال تعديل المبادئ، مكتفيًا بالقول: "سنواصل دراسة التفاصيل. ولا أطرح أي فرضيات الآن".
وتعمل طوكيو بحسب صحيفة "سانكي شيمبون" على استكشاف طرق غير مباشرة لتعزيز قدراتها الاستراتيجية. فقد أشارت تقارير سابقة إلى احتمال اقتداء اليابان بكوريا الجنوبية في دراسة شراء غواصات نووية أمريكية، لردع الصين ومواجهتها بكل قوة.
وتشهد اليابان بالفعل في السنوات الأخيرة زيادة متواصلة في ميزانية الدفاع، توسيع دور قوات الدفاع الذاتي، وتخفيف قيود تصدير الأسلحة، وتعزيز البنية العسكرية في الجنوب قرب تايوان.
ويرى سياسيون بارزون مثل يوكيو هاتوياما ونودا يوشيهيكو وشيجا شيجرو إن هذا الخطاب لرئيسة الوزراء والتعديلات النووية "متهور ويجر اليابان نحو مواجهة خطيرة". كما وصفت وسائل إعلام يابانية التصريحات بأنها "استفزاز غير محسوب العواقب".