في احتفالية دافئة امتزج فيها عبق التاريخ بسحر السينما، تحوّل المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية إلى مساحة لاستعادة الذكريات بعدما اجتمع كبار صُنّاع الفن في ندوة تكريمية ضمن فعاليات الدورة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، للاحتفاء بمسيرة المخرج الكبير محمد عبدالعزيز، أحد أبرز رواد السينما المصرية وصاحب البصمة التي صنعت الضحكة الراقية والدراما العميقة على مدار أكثر من 60 عامًا.
من جانبه، أعرب عبدالعزيز عن سعادته الغامرة بهذا التكريم، قائلًا: "سعادتي لا توصف منذ أن اتصل بي زميل العمر حسين فهمي قبل نحو شهرين وفاجأني بالخبر، خاصة أنني سبق وكُرمت في دورة خاصة بالكوميديا، لكنه قال لي إن الجائزة عن مشوار العمر هذه المرة، وهي أعلى جائزة يقدمها المهرجان، وقتها كانت فرحتي كبيرة جدًا، وحمدت الله لأن الجائزة جاءت من بلدي ومن أعرق مهرجان في مصر، بعد 65 سنة سينما، شعرت أن المشوار الطويل لم يذهب هباءً، وأن التعب كان له معنى حقيقي".
بداياته الفنية
استعاد عبدالعزيز ذكرياته وبداياته الفنية قائلًا: "تتلمذت على يد المخرج الكبير صلاح أبو سيف وغيره من المبدعين، وهذا أثرى رحلتي، إذ قدمت ما يقرب من 67 فيلمًا و20 مسلسلًا وعددًا من المسرحيات، والحقيقة هذا المشوار مر أمامي أمس في أثناء وقوفي على المسرح للتكريم وفوجئت بالحب الكبير الذي استقبلته من الناس، وأدركت في هذه اللحظة أن رحلتي لم تذهب هباءً".
كوميديا بالصدفة
وأوضح المخرج المصري أن الكوميديا لم تكن طريقًا اختاره، بل هي من جاءت إليه بالصدفة، قائلًا: "بدأت مع صلاح أبو سيف كمساعد مخرج، وقدمت مجموعة كبيرة من الأفلام، وبعد تخرجي اتجهت للتراجيديا وقدمت جزءًا من "صور ممنوعة" مع أشرف فهمي، ثم قدمت فيلمًا روائيًا قصيرًا مع الكاتب أحمد بهجت، وبعدها جلست عامين دون عمل حتى جاءتني الكوميديا بنفسها، وقدمت بعد ذلك "امرأة من القاهرة"، ثم "في الصيف لازم نحب"، الذي حقق نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا، وقال لي البعض حينها أنت خليفة فطين عبدالوهاب".
فن شديد الجدية
كان للمخرج محمد عبدالعزيز فلسفة في الكوميديا إذ يقول: "قدمت أفلامًا كثيرة في الكوميديا، لكنني كنت أتعامل معها كفن شديد الجدية والصرامة، فالكوميديا لا تنفصل عن المجتمع، بل تنبع منه وتعكس قضاياه وسلوكياته، والكوميديا عندي وسيلة لتسليط الضوء على أخطاء المجتمع وانتقادها، فهي لا تنمو إلا في وسط اجتماعي حقيقي يعيش فيه الناس".
"انتبهوا أيها السادة"
واستعاد عبدالعزيز كواليس فيلمه الشهير "انتبهوا أيها السادة"، موضحًا أن فكرته جاءت من موقف واقعي: "استوحيت الفيلم من أحد جيراني كان رجلًا محترمًا وله ابنة حاصلة على ليسانس حقوق، وعندما رفضت الزواج من رجل تقدم لها ضغطوا عليها حتى تزوجته، فاكتشفت لاحقًا أنه يعنفها بشدة وقال لها جملة استعملتها في الفيلم "أنا عندي فهم مش عند أستاذ جامعة"، ومن هنا تولدت فكرة العمل".
القضية هي الأساس
وأكد المخرج الكبير أن القضية هي الأساس في أفلامه، موضحًا أن الضحك ليس هدفه الأول بل نتيجة طبيعية للموقف والصراع، قائلًا: "في فيلم (في الصيف لازم نحب) كان معي 22 ممثلًا، وأول ما قلت لهم إحنا مش بنعمل فيلم كوميدي، إحنا بنقدم قضية، واتبعت هذا المنهج بصرامة حتى أصل برسالتي بوضوح".
رحلة مع عادل إمام
ثمة ذكريات كثيرة جمعت بين محمد عبدالعزيز والزعيم عادل إمام، إذ تحدث عن بداياته قائلًا: "عرفت عادل قبل أن يقف أمام أي كاميرا، كنت وقتها مساعد مخرج في فيلم "الليلة السعيدة"، ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلتنا معًا. كنا نعمل في العام 3 أو 4 أفلام، وقدّمنا معًا 18 فيلمًا شكلت رحلة صعود حقيقية لنا، وشاركنا خلالها نجومًا كبارًا مثل محمود ياسين، مديحة كامل، وحسين فهمي".
صداقة من الدراسة للفن
وثق عدد من النجوم والأصدقاء شهادتهم على رحلة محمد عبد العزيز، إذ حرص الفنان حسين فهمي، على استرجاع ذكرياته معه، قائلًا خلال الندوة: "دخلنا المعهد معًا، واستمرت صداقتنا حتى اليوم، وحبنا وعشقنا للسينما لا مثيل له ولا حدود له، وكنا زملاء في التدريس، وأنا توقفت بعد فترة، لكنه استمر وعملنا معًا فيلم "انتبهوا أيها السادة" الذي ترك أثرًا كبيرًا في الجمهور، وعلاقتنا وطيدة جدًا، وأعتقد أن هذا التكريم جاء متأخرًا، وأشكره لأنه معنا اليوم ولأنه قبل هذا التكريم".
رحلته مع لبلبة
كما عبّرت الفنانة لبلبة عن امتنانها الكبير للمخرج محمد عبدالعزيز ووصفته بالكريم والمتواضع، موضحة أنها التقته لأول مرة عندما رشحتها الفنانة ماجدة الخطيب للعمل معه، وقالت له حينها "دي هتبقى شادية جديدة"، ليقدمها في فيلم "في الصيف لازم نحب"، إذ أتاح لها فرصة الغناء ضمن أحداث العمل، وهو ما كان له أثر بالغ في مسيرتها الفنية".
وأضافت لبلبة: "كنت حريصة على الانضباط في عملي، وهو ما لفت انتباه المخرج محمد عبدالعزيز، مشيرة إلى أنه كان يهتم بتفاصيل عملي ويدعمني حتى في اختيار الأزياء في وقت لم يكن فيه ما يعرف بالإستايلست، كما كان يوجهني في أداء المشاهد الكوميدية ويمنحني الثقة على الشاشة".
وتابعت: "تعلمت منه الكثير في أعمال جمعت بيننا، منها فيلم "البعض لا يذهب للمأذون مرتين" مع عادل إمام، و"خلي بالك من جيرانك" للكاتب فاروق صبري، مؤكدة أنها لم تكن المرشحة الأولى للبطولة، لكن في اللحظة الأخيرة وقع اختياره عليها لتكون بطولتها المطلقة الأولى".