في ليلة ستظل خالدة في ذاكرة التاريخ، شهدت مصر، مساء اليوم السبت، الافتتاح الأسطوري للمتحف المصري الكبير، أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، في احتفال مهيب جمع بين عراقة الماضي وإبداع الحاضر وسط حضور رفيع المستوى تقدمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقرينته، وبمشاركة 79 وفدًا رسميًا، من بينهم 39 وفدًا برئاسة ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات.
وقد مرّ يوم الافتتاح التاريخي بفعاليات لاقت تفاعلًا إقليميًا ودوليًا، من خلال تسلسل سلسلة من العروض والاحتفالات التي أضاءت سماء الجيزة ومنطقة الأهرامات.
المؤتمر الصحفي
استهل اليوم التاريخي بمؤتمر صحفي لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ووزير السياحة والآثار شريف فتحي، أكد خلاله الأول أن افتتاح المتحف "حدث استثنائي وصرح عالمي يمثل هدية مصر إلى كل العالم"، مشيرًا إلى أن الحلم الذي راود المصريين لعقود أصبح اليوم واقعًا يليق بتاريخ يمتد لأكثر من سبعة آلاف عام.
أما الوزير شريف فتحي، فوصف الافتتاح بأنه لحظة فارقة في الخريطة الثقافية العالمية، مؤكدًا أن المتحف سيعزز حركة السياحة، مع توقعات بوصول أعداد السائحين إلى نحو 18 مليونًا هذا العام، بعد أن بلغ متوسط الزائرين خلال التشغيل التجريبي نحو 5 آلاف زائر يوميًا.
قصة حضارة خالدة
مع حلول السابعة مساءً بالتوقيت المحلي للقاهرة، انطلقت مراسم الافتتاح بفيديو تسجيلي ضخم شارك فيه رموز ثقافية وعلمية وفنانون ورياضيون مصريون بارزون، مزج بين الموسيقى العالمية والمشاهد الرمزية التي تحاكي عبقرية المصري القديم.
وخلال الفيديو، تحدث عدد من الرموز الثقافية والعلمية، من بينهم وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني، الذي وصف المتحف بأنه "ملحمة وطنية ومرآة للتاريخ"، فيما أكد الجراح المصري العالمي، الدكتور مجدي يعقوب أن "مصر منحت الإنسانية أقدم هداياها عبر علم الطب".
فيما شدد الدكتور خالد العناني، المرشح المنتخب لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، على أن "الأحلام الكبرى تولد بالإرادة والرؤية والإصرار الجماعي".
استقبال رسمي
استقبل الرئيس المصري وقرينته الضيوف المشاركين من الملوك والرؤساء والأمراء أمام مدخل المتحف الكبير، حيث التقطت صورة تذكارية جماعية تؤرخ لهذه اللحظة العالمية، في مشهد عكس الحضور الدولي الكبير لمصر، ومكانتها كمركز ثقافي وإنساني يجمع بين عراقة التاريخ وإبداع الحاضر في لوحة واحدة تعكس عبقرية الإنسان المصري.
ظهور استثنائي لشريهان
شهد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير لحظة فنية استثنائية بمشاركة الفنانة شريهان بحضورها وصوتها في عرض الافتتاح، في ظهور نادر بعد غياب دام 4 سنوات عن الساحة الفنية.
استهلّت النجمة شريهان حفل افتتاح المتحف المصري الكبير بصوتها، قائلة: "سلام من أرض السلام".
ومضت بالقول: "مصرية أنا وأفتخر بانتمائي لأقدم شعب، وأول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب، وأول جيش نظامي في التاريخ".
واستكملت قائلة: "من هنا بدأت الحكاية، حكاية حضارة علّمت الإنسانية أن مصيرنا واحد مهما اختلفنا، كلنا قلب واحد، ومن كل قارات العالم بنعزف لحن واحد".
تألقت شريهان خلال الحفل، إذ رافق كلماتها عرض بصري خلاب على خلفية المسرح ظهر في سماء الأهرامات مع لقطات تبرز عظمة التاريخ المصري وحضارته الخالدة، في مشهد أبهر الحضور وأضفى على الاحتفالية لمسة ساحرة من الفن والجمال.
سيمفونية الحضارة
وتألقت الفنانة المصرية العالمية شيرين أحمد طارق في عرض موسيقي ضخم قادته أوركسترا مكونة من 250 موسيقيًا من مصر والعالم بقيادة المايسترو ناير ناجي.
وشهد الحفل أيضًا عروضًا من فرق فنية من اليابان وفرنسا والبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى عروض بصرية تسرد قصة الملك الذهبي توت عنخ آمون، الذي تُعرض كنوزه كاملة لأول مرة في التاريخ.
مصر منبر للحوار ومقصد للإنسانية
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته الرئيسية في الاحتفالية، إن المتحف الكبير "ليس مجرد مكان لحفظ الآثار، بل شهادة حية على عبقرية الإنسان المصري".
وأضاف: "ليكن هذا المتحف منبرًا للحوار ومقصدًا للإنسانية"، مشيرًا إلى أن "أنوار الحكمة انطلقت من ضفاف النيل لتضيء طريق التقدم البشري".
افتتاح المتحف
وفي لحظة رمزية، وضع "السيسي" القطعة الأخيرة التي تحمل اسم مصر في النموذج المصغر للمتحف، إيذانًا بفتح أبوابه كمنارة جديدة للحضارة الإنسانية.
روح التنوع والوحدة
واختتم الحفل بعرض موسيقي ضخم شاركت فيه السوبرانو العالمية المصرية فاطمة سعيد بألحان لهشام نزيه، مزجت بين الموروث المصري القديم والمعاصر.
وتوالت الفقرات الغنائية بتنوع يعكس ثراء الهوية المصرية، من ترانيم كنائسية بصوت الشماس مينا فهيم إلى أناشيد دينية بصوت الشيخ إيهاب يونس، وصولًا إلى أغنية نوبية قدمها الفنان أحمد إسماعيل، قبل أن تختتم الأمسية بمعزوفة أوبرالية نالت تصفيقًا حارًا من الحضور.