تواجه القوات المسلحة الأمريكية أزمة غير مسبوقة مع اقتراب نفاد الأموال الطارئة المخصصة لرواتب أفرادها، في ظل إغلاق حكومي دخل أسبوعه الرابع وصراع سياسي محتدم بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس يهدد بحرمان أكثر من مليوني عسكري من رواتبهم، نهاية الشهر الجاري.
وكشفت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية أن الأموال البالغة 8 مليارات دولار، التي خصصها الرئيس دونالد ترامب لتغطية رواتب العسكريين، أوشكت على النفاد بعد صرف دفعة منتصف أكتوبر.
وأوضح تود هاريسون، الباحث في معهد المشاريع الأمريكية لـ"ذا هيل"، أن دورة الدفع الأخيرة استنزفت نحو 6.5 مليار دولار، تاركة 1.5 مليار دولار فقط، بينما تتراوح تكلفة رواتب أكتوبر ما بين 6 و7 مليارات دولار، ما يعني حتمية حدوث عجز عن دفع الرواتب.
ووجّه ترامب وزير الحرب بيت هيجسيث، 11 أكتوبر، باستخدام أموال من ميزانية البنتاجون المخصصة للبحث والتطوير والاختبار والتقييم لتغطية رواتب منتصف الشهر.
ورغم وجود حسابات أخرى بأموال محمولة من سنوات سابقة يمكن لوزارة الدفاع الأمريكية الاستفادة منها، فإن هاريسون حذَّر من أن هذا الحل المؤقت يعني "سرقة بطرس لدفع بولس"، بمعنى سحب أموال من برامج ومشاريع حيوية لسد فجوة الرواتب، ما يخلق عجزًا في مكان آخر، مشيرًا إلى ضرورة إعادة هذه الأموال لحساباتها الأصلية فور استعادة التمويل.
قلق في الكونجرس
عبّرت النائبة الجمهورية جين كيجانز، الطيارة العسكرية السابقة في البحرية، عن مخاوفها العميقة، قائلة: "بينما أنا ممتنة لأن الرئيس ترامب دفع رواتب أفراد الخدمة حتى الآن، أشعر بالقلق من نفاد الأموال بنهاية أكتوبر وعدم حصول العسكريين على رواتبهم في الوقت المحدد".
وقدمت "كيجانز"، الشهر الماضي، مشروع قانون مستقل لدفع رواتب القوات يحمل اسم "قانون الدفع لقواتنا"، لكنه لم يحرز أي تقدم يُذكر.
وحذّر السيناتور الجمهوري رون جونسون من محدودية الخيارات المتاحة، وأكد لـ"ذا هيل" أن "هناك عددًا محدودًا فقط من أوعية الأموال التي يملك الرئيس السلطة عليها.. إنه ليس ملكًا، لديه سلطة محدودة فقط"، مضيفًا: "تخميني أن تلك الأوعية المالية ستنفد قريبًا، ولهذا السبب الأمر مهم للغاية".
معركة سياسية
فشل مجلس الشيوخ، الخميس الماضي، في تمرير مشروع قانون السيناتور الجمهوري رون جونسون المعروف باسم "قانون عدالة الإغلاق"، الذي كان سيضمن دفع رواتب العسكريين والموظفين الفيدراليين الأساسيين المطلوب منهم العمل خلال الإغلاق الحكومي.
وحصل المشروع على 54 صوتًا مؤيدًا مقابل 45 معارضًا، وهو أقل من الـ60 صوتًا المطلوبة للمضي قدمًا، إذ انضم 3 سيناتورات ديمقراطيين فقط من جورجيا وبنسلفانيا للجمهوريين في التصويت.
ووصف زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، المشروع بأنه "خدعة"، وحذر من منح البيت الأبيض سلطة مفرطة لتحديد أي الموظفين الفيدراليين يحصلون على رواتبهم وأيهم يبقون معلقين، قائلًا: "لن نمنح دونالد ترامب ترخيصًا للعب بقوت الناس".
وطالب الديمقراطيون بدلًا من ذلك بتمرير مشروع قانون السيناتور كريس فان هولين، الذي يدفع رواتب جميع الموظفين الفيدراليين دون استثناء، لكن الجمهوريين رفضوه أيضًا، الخميس الماضي.
أوضح السيناتور ريتشارد بلومنثال، للصحيفة الأمريكية، سبب تصويته ضد مشروع جونسون، قائلًا: "يجب علينا دفع رواتب جميع العمال الأساسيين، ليس فقط عسكريينا، لكن أيضًا موظفي الهجرة وأمن المطارات ومراقبي الحركة الجوية دون أن يختار الرئيس المفضلين لديه".
كما أكد فان هولين في بيان رسمي، أن "الجمهوريين مصممون على ترك ترامب يختار الفائزين والخاسرين، لكن كل موظف فيدرالي وعسكري ومتعاقد فيدرالي يستحق الحصول على أجره".
ويصر الديمقراطيون على أن مشروع جونسون يطيل أمد الإغلاق الحكومي بإزالة الضغط عن الجمهوريين للتفاوض، إذ يتمسكون بمطالبهم بتمديد إعانات قانون الرعاية الصحية الميسرة التي توشك على الانتهاء والتفاوض الشامل لإنهاء الأزمة.
وكانت محاولة زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ جون ثون، الأسبوع الماضي، للمضي قدمًا في مشروع قانون تمويل مستقل لوزارة الدفاع باءت بالفشل أيضًا بعد رفض ديمقراطي.
سباق مع الزمن
تزداد الأزمة تعقيدًا مع مغادرة مجلس الشيوخ واشنطن، بعد ظهر الخميس الماضي ولن يعود حتى اليوم الاثنين، فيما يجري ترامب جولة آسيوية بدأت الجمعة الماضي.
وبحسب "ذا هيل"، يحاول الجمهوريون الأسبوع المقبل، فرض تصويت على دفع رواتب أفراد الجيش ومراقبي الحركة الجوية وموظفي أمن المطارات، إلى جانب تمويل برامج التغذية الأساسية، مثل برنامج المساعدة الغذائية التكميلية قبل إيقافها في الأول من نوفمبر.
ورغم أن الموظفين الفيدراليين ضامنون حصولهم على رواتبهم المتأخرة فور إعادة فتح الحكومة، إلا أن مشروع جونسون كان سيوفر بعض الراحة للعمال الذين يعملون دون أجر حاليًا.
ويبقى مصير أكثر من مليوني عسكري أمريكي معلقًا في ميزان المناورات السياسية.