لا تزال الحدود التي رسمتها بريطانيا في القرن التاسع عشر عبر أراضي البشتون التاريخية، تثير الأزمات بين الجارتين باكستان وأفغانستان اللتين خاضت قواتهما معارك طويلة كان آخرها الشهر الجاري، وبينما يحاولون التفاوض على وقف إطلاق نار دائم، تُشكّك الحكومة الأفغانية التي تديرها طالبان بشكل متزايد في شرعية الحدود بين البلدين التي يطلق عليها خط دوراند.
وخلال شهر أكتوبر الجاري قُتل العشرات من الجنود والمدنيين في مناوشات على طول الخط، وشنّت باكستان غارات جوية على مدن في جميع أنحاء أفغانستان قبل أسبوعين، وهو تصعيد هدّد بتحويل النزاع الحدودي إلى حرب أوسع، بحسب "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وصمد وقف إطلاق النار المؤقت منذ ذلك الحين إلى حد كبير، لكن قبل المحادثات في إسطنبول نهاية هذا الأسبوع، لم يكن هناك تفاؤل يُذكر بشأن توصل باكستان وأفغانستان إلى أرضية مشتركة بشأن الخلافات أو الخط الفاصل بينهما.
ما هو خط دوراند؟
رسم المسؤولون البريطانيون خط دوراند، الذي يبلغ طوله 1640 ميلًا، عام 1893 لترسيم الحدود بين أفغانستان وما كان يُعرف آنذاك بالراج البريطاني، بعد فوز الإمبراطورية البريطانية في الحرب الثانية من الحروب الأنجلو-أفغانية الثلاث.
كانت تلك الأيام الأخيرة من "اللعبة الكبرى" في القرن التاسع عشر، عندما تنافست بريطانيا وروسيا على السيطرة في آسيا الوسطى، سعت لندن إلى جعل أفغانستان منطقة عازلة بين مناطق نفوذها ونفوذ موسكو.
تحت الضغط البريطاني، قبل الأمير الأفغاني عبد الرحمن خان خسارة بعض أراضي القبائل البشتونية العرقية، التي ضُمت فعليًا إلى الهند البريطانية.
سُميَّت الحدود الناتجة، التي تمتد من الصين في الشمال الشرقي إلى إيران في الجنوب الغربي، على اسم الدبلوماسي البريطاني مورتيمر دوراند، وزير خارجية الهند آنذاك، عندما تأسست باكستان بعد تقسيم الهند عام 1947، ورثت الحدود.
ومنذ ذلك الحين، اعتبرت إسلام آباد المسألة محسومة، وحثّت الحكومات الأفغانية المتعاقبة، والآن حركة طالبان، على التعامل معها على هذا الأساس، وقبل محادثات السلام، أكد المسؤولون الباكستانيون مجددًا أن الأمر غير قابل للتفاوض، لكن أفغانستان لطالما شككت في شرعية هذا الخط، ولطالما وصفته طالبان بأنه حدود "افتراضية" أو "وهمية".
سبب التوترات الأخيرة؟
بحسب المسؤولين الباكستانيين لم تبد حركة طالبان الأفغانية اهتمامًا يُذكر بتأمينه من المسلحين أو المهربين، ما أثار قلق إسلام آباد بشكل خاص المسلحين في باكستان الذين أعلنوا ولاءهم لحركة طالبان الأفغانية، ويشنون تمردًا متوسعًا في المنطقة التي ضمتها بريطانيا فعليًا قبل أكثر من 130 عامًا.
ويقول المسؤولون الباكستانيون إن حركة طالبان الأفغانية تدعم بنشاط جهود المسلحين الرامية إلى ترسيخ حكم طالبان في المناطق الحدودية التي كانت تاريخيًا أفغانية. ي
ألقى المسؤولون الباكستانيون باللوم في معظم الهجمات على حركة طالبان الباكستانية، وكان زعيم الجماعة، نور والي محسود، هدفًا لغارة جوية باكستانية مزعومة في كابول قبل أسبوعين أشعلت فتيل اشتباكات حدودية استمرت لأكثر من أسبوع.
تنفي حركة طالبان الأفغانية دعمها لحركة طالبان الباكستانية، وتنفي الحركة نفسها تلقيها أي دعم أو مأوى من طالبان الأفغانية. وصرّح عضو بارز في الجماعة بأن المحادثات بين أفغانستان وباكستان لم تؤثر على عملياتها.
تأثير الخط على السكان
يبدو أن دعم حركة طالبان الباكستانية في منطقة الحدود القبلية محدود. لكن المسلحين تمكنوا أخيرًا من تحقيق بعض التقدم مستغلين التصور السائد بين الناس على جانبي الحدود بأن خط دوراند ليس من المفترض أن يؤثر على حياتهم اليومية.
خلال معظم القرن العشرين، كان أفراد من مجتمعات البشتون وقبائل أخرى يعبرون الحدود عدة مرات يوميًا دون أن يوقفهم حرس الحدود، في ثمانينيات القرن الماضي، شجع المسؤولون الباكستانيون هذا السلوك عندما كانوا ينقلون الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود لدعم المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي.
انتهت حرية المرور بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001، وقد وفرت حركة طالبان المأوى لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن؛ وردت الولايات المتحدة على الهجمات بغزو أفغانستان.
وبعد تشكيل حركة طالبان باكستان في عام 2007 وبدء شن الهجمات في باكستان، تحركت إسلام آباد لتعزيز خط دوراند، وفي نهاية المطاف قامت ببناء سياج يمتد الآن على طول معظم طوله.
مع ذلك، لا تزال مراقبة الحدود شبه مستحيلة، فقد خرق مقاتلو حركة طالبان باكستان والمتاجرون بها السياج بشكل متكرر، ويدعم بعض السكان المحليين جهود المسلحين.
لماذا تضغط طالبان؟
ويشكك المحللون في قدرة حكومة طالبان، التي لا تعترف بها سوى روسيا على المستوى الدولي، على تقديم حجة قانونية لتحدي خط دوراند.
قال أحمد بلال صوفي، وزير العدل الباكستاني السابق: "لطالما تعاملت باكستان وأفغانستان مع خط دوراند كحدود دولية فعلية"، وأشار إلى أن المسؤولين الأفغان، على سبيل المثال، يجمعون الرسوم الجمركية عند نقاط التفتيش الحدودية.
قد ترى طالبان أن التوترات على طول خط دوراند مفيدة محليًا، يقول زاهد حسين، المعلق السياسي الباكستاني: "بإثارة هذه القضية مرارًا وتكرارًا، فإنهم يستغلون القومية الأفغانية لتشتيت انتباه الناس".