تشهد العلاقات الأمريكية–الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة تحولًا غير مسبوق، إذ تبدو واشنطن وكأنها تمارس وصاية مباشرة على القرارين الأمني والسياسي في إسرائيل، عبر سلسلة زيارات مكثفة لمسؤولين كبار، فضلًا عن إنشاء مقر دولي دائم على الأراضي الإسرائيلية، في خطوة اعتبرها محللون تجسيدًا عمليًا لما يشبه "الوصاية الأمريكية" أو "الولاية الحادية والخمسين".
أمريكا تعزز تواجدها
بدأت التحركات بزيارة مبعوثي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، تبعها الرئيس نفسه في زيارة تاريخية وضع خلالها هدفًا واضحًا لإنهاء الحرب في غزة "بأي ثمن" وإتمام صفقة الرهائن. ثم عاد المبعوثان إلى إسرائيل، ثم لحق بهما نائب الرئيس جيه دي فانس، ومن المنتظر أن يصل وزير الخارجية ماركو روبيو خلال الأيام المقبلة، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.
ووفقًا لـ "معاريف"، أنشأت الولايات المتحدة مقرًا دوليًا في المنطقة الصناعية بمدينة كريات غات، يضم نحو 200 جندي أمريكي إلى جانب عناصر من الأردن والإمارات وبريطانيا وألمانيا والدنمارك، مع ترقب انضمام دول أخرى لاحقًا.
ويشرف على المقر قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال براد كوبر، والجنرال باتريك فرانك، وعدد من الضباط البريطانيين. وخلال زيارة فانس للمقر، بدا المشهد رمزيًا للغاية بوجود أعلام إسرائيل والولايات المتحدة تتوسط المنصة، وتحيط بهما لافتتان ضخمتان كُتب عليهما "خطة ترامب ذات العشرين نقطة".
خطوات عملية
في حين وصفت الخطة الأمريكية في بدايتها بأنها غامضة ومليئة بالثغرات، شرع المسؤولون الأمريكيون في تحويلها إلى إجراءات تنفيذية دقيقة. وأوضح مراقبون أن كثافة الزيارات وحضور القادة العسكريين الأمريكيين تهدف إلى ضمان تطبيق الخطة ميدانيًا ومنع إسرائيل من خرق وقف إطلاق النار.
وشبه بعض المعلقين الإسرائيليين هذا التواجد الأمريكي المكثف بـ "الحراسة الشخصية" التي تمنع نتنياهو من تجاوز الخطوط الحمراء. ويبدو أن واشنطن، بحسب صحيفة "معاريف" العبرية، مصممة على مراقبة التطورات من الداخل الإسرائيلي لضمان استقرار الوضع وتنفيذ الاتفاق خطوة بخطوة.
إنكار رسمي
وخلال مؤتمر صحفي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نفى نائب الرئيس الأمريكي أن تكون إسرائيل "دولة محمية"، مؤكدًا أن واشنطن تريد "شراكة حقيقية لا وصاية". وشارك نتنياهو النفي ذاته، قائلًا إن إسرائيل "هي من تقرر أمنها".
لكن "يديعوت" ترى أن الحقائق الميدانية تشير إلى نفوذ أمريكي متزايد، لا سيما في ظل سعي واشنطن للإشراف المباشر على تنفيذ وقف إطلاق النار، وضمان إعادة جثامين الرهائن الإسرائيليين من غزة، إلى جانب إطلاق المرحلة الثانية من الاتفاق.
قوة استقرار دولية
وتتضمن المرحلة المقبلة من الخطة إنشاء قوة استقرار دولية تتمركز فعليًا داخل قطاع غزة، مهمتها نزع سلاح حماس وضمان عدم استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية، إذ لن يُسمح لإسرائيل بقصف غزة طالما هناك جنود أجانب على الأرض.
إلى جانب ذلك، تعمل واشنطن على تأسيس آلية مدنية لإدارة القطاع، عبر حكومة تكنوقراطية يشارك في تشكيلها خبراء فلسطينيون ودوليون، على أن تختار حركة حماس نصف أعضائها. وأكدت إسرائيل أنها ستتولى التحقق من هويات المرشحين لمنع إدخال عناصر من الحركة إلى الحكومة.
وشدد فانس على أن نزع سلاح حماس شرط أساسي لإعادة إعمار غزة، ملوحًا بأن "من يلتزم بالاتفاق سيُمنح العفو، أما من يرفض فسيُقضى عليه".