تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تقليص النفوذ الصيني المتزايد في أمريكا اللاتينية، عبر استخدام أداة المساعدات المالية لإعادة تموضعها في المنطقة، إذ عرضت على الأرجنتين حزمة مساعدات مالية بقيمة 40 مليار دولار لدعم اقتصادها المتعثر، لكنها في المقابل مارست ضغوطًا على حكومة الرئيس خافيير ميلي لتقليص تعاونها مع الصين، التي تُعد الشريك التجاري الثاني للأرجنتين بعد البرازيل وأكبر مستورد لمنتجاتها الزراعية.
شروط أمريكية خفية
وفق ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أجرى وزير الخزانة الأمريكي، خلال الأسابيع الأخيرة مباحثات مع وزير الاقتصاد الأرجنتيني، تناولت بنود المساعدة الأمريكية، وفي مقدمتها الحد من قدرة الصين على الوصول إلى الموارد الطبيعية الأرجنتينية، ولا سيما المعادن واليورانيوم.
كما تضغط واشنطن على بوينس آيرس لتشجيع الشركات الأمريكية على دخول مجالات البنية التحتية والاتصالات في الأرجنتين، في محاولة لمزاحمة الشركات الصينية، مثل هواوي، التي تشغل شبكات الجيل الخامس في البلاد، وشركة Telecom Argentina التي حصلت أخيرًا على قرض بقيمة 74 مليون دولار من بنك صيني.
الاقتصاد مقابل الولاء
وفي تعليق على هذه التحركات، قال متحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية إن الخطوة تهدف إلى "استقرار الأرجنتين وتعزيز الازدهار في نصف الكرة الغربي"، معتبرًا ذلك تجسيدًا لمبدأ "أمريكا أولاً"، على حد وصفه.
لكن خبراء أرجنتينيين حذروا من أن هذه الضغوط قد تهدد العلاقات الاقتصادية الحيوية مع الصين، التي تموّل مشاريع ضخمة في مجالات الطاقة والسكك الحديدية والتعدين.
وفي السياق، قال باتريسيو خوستو، رئيس "مرصد التعاون الصيني–الأرجنتيني"، إن قطع العلاقات مع بكين أمر غير واقعي، مؤكدًا أن "الصين أصبحت شريكًا لا يمكن الاستغناء عنه".
من جانبها، رأت أليخاندرا كونكوني، المديرة التنفيذية لغرفة التجارة والصناعة الأرجنتينية الصينية، أن محاولات واشنطن "تخويف" المستثمرين الصينيين لن تنجح، موضحة أن "الصين تزود الأرجنتين بمنتجات أساسية للصناعة والزراعة والطاقة، وبدونها سيتعطل الاقتصاد المحلي".
الرد الصيني
سارعت السفارة الصينية في بوينس آيرس إلى رفض تصريحات المسؤولين الأمريكيين، معتبرة أن "أمريكا اللاتينية ليست فناءً خلفيًا لأي قوة خارجية". وأكدت أن التعاون الصيني الأمريكي اللاتيني "لا يستهدف طرفًا ثالثًا ولا ينبغي أن يتأثر به"، بحسب صحيفة "أوبزرفر" الصينية.
كما أكدت السفارة أن دول المنطقة تملك الحق في اختيار شركائها بحرية، داعية واشنطن إلى "الكف عن زرع الشكوك وإثارة التوتر، والتركيز بدلًا من ذلك على دعم التنمية الحقيقية لشعوب المنطقة".
ملفات حساسة
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن المباحثات بين واشنطن وبوينس آيرس شملت أيضًا مسألة القاعدة الفضائية الصينية في منطقة باتاجونيا الأرجنتينية، التي تتهمها الولايات المتحدة بممارسة أنشطة عسكرية سرية، رغم نفي الأرجنتين المتكرر لذلك.
وذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أن إدارة ترامب تخشى من توسع التعاون العسكري بين الأرجنتين والصين، وهو ما أكده ترامب خلال لقائه ميلي في البيت الأبيض في 14 أكتوبر، حين قال له: "يمكنكم المتاجرة مع الصين، لكن لا تعاون عسكريًا بأي حال".
توازن صعب
ورغم نفي "ميلي" في مقابلات تلفزيونية أن حكومته تنوي قطع العلاقات مع الصين، إلا أن الضغوط الأمريكية تضع حكومته أمام معادلة صعبة إما قبول الدعم المالي الأمريكي الذي قد يخفف الأزمة الاقتصادية، أو الحفاظ على شراكة استراتيجية مع بكين تمثل شريانًا أساسيًا للاقتصاد الأرجنتيني.
ويرى مراقبون للصحيفة، أن الأرجنتين، الغارقة في ديونها والمتعطشة للاستثمارات، لن تستطيع بسهولة الانحياز الكامل لأي طرف، خاصة في ظل حاجة اقتصادها لكل من السوق الأمريكية والتكنولوجيا والاستثمارات الصينية.