انتهك جيش الاحتلال الإسرائيلي اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، يوم الأحد الماضي، بشن ضربات على رفح الفلسطينية جنوب القطاع، مما يثير المخاوف من تكرار السيناريو اللبناني في القطاع الفلسطيني المدمر، حيث أصبحت الهجمات الإسرائيلية شبه اليومية الوضع الطبيعي الجديد في لبنان، بعد مرور ما يقرب من عام على الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة والتي أوقفت الصراع الأخير بين إسرائيل وحزب الله.
وزعم مسؤول عسكري إسرائيلي في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، أن حماس هاجمت القوات الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية بقذائف صاروخية ونيران قناصة؛ مما دفع إسرائيل إلى شن ضربات في المنطقة بعد 9 أيام فقط من بدء وقف إطلاق النار.
وعقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مشاورات أمنية مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس وقادة الجيش، يوم الأحد الماضي، وأمرهم "بالتحرك بقوة" ضد ما وصفها بـ"الأهداف الإرهابية" في غزة. وأعلن الجيش أنه نفذ ضربات جوية وقصفًا مدفعيًا في رفح الفلسطينية، مما دمر البنية التحتية لحماس.
ويواجه نتنياهو ضغوطًا للرد من أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل الداعمة لائتلافه، حيث دعاه وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير إلى استئناف الحرب في غزة بكامل قوتها.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الاثنين عن قلق متزايد لدى المسؤولين الأمريكيين من احتمالية قيام نتنياهو بتفكيك اتفاق السلام في غزة.
وأفادت الصحيفة نقلاً عن المسؤولين، بأن البيت الأبيض يسابق الزمن للحفاظ على اتفاق السلام في غزة، حيث يتوجه نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس إلى إسرائيل لينضم إلى مبعوثي الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، اللذين كانا أساسيين في التوسط بالصفقة.
ويخشى محللون تكرار السيناريو اللبناني في غزة، حيث نقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية عن منى يعقوبيان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن "لبنان يمكن أن يكون بمثابة نموذج لغزة، مما يمنح القوات الإسرائيلية حرية التحرك عندما ترى أن هناك تهديدًا دون استئناف كامل للصراع".
بدأ الصراع الأخير بين إسرائيل وحزب الله في اليوم التالي للهجوم الذي نفذته الفصائل على المستوطنات بغلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، وبدأ جيش الاحتلال حربه الوحشية على القطاع، مما دفع حزب الله في جنوب لبنان إلى إطلاق الصواريخ على إسرائيل دعمًا لحماس والفلسطينيين. وردت إسرائيل بغارات جوية وقصف مدفعي على جنوب لبنان، وتصاعد الصراع إلى حرب شاملة في سبتمبر 2024.
ومنذ 27 نوفمبر الماضي، يسري اتفاق لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه برعاية أمريكية وفرنسية، ينص على تراجع حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني (على مسافة نحو 30 كيلومترًا من الحدود) وتفكيك بنيته العسكرية فيها، وحصر حمل السلاح في لبنان بالأجهزة الرسمية.
وألزم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 27 نوفمبر إسرائيل بسحب قواتها من جنوب لبنان في غضون 60 يومًا، وبنقل حزب الله قواته شمالًا، وطلبت إسرائيل مزيدًا من الوقت للقيام بذلك، ومددت الموعد النهائي لسحب قواتها، لكنها منذ ذلك الحين، تشن غارات جوية على لبنان.
وأبلغت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) مجلة "نيوزويك" الأمريكية في رسالة بريد إلكتروني أنها وثقت ما يقرب من 6300 انتهاك جوي، بما في ذلك ما يقرب من 100 هجوم جوي، ونحو 950 مسارًا جويًا "تم رصده من الجنوب إلى الشمال" منذ 27 نوفمبر.
إضافة إلى الغارات، أبقت إسرائيل على قواتها في 5 تلال في جنوب لبنان، بعكس ما نص عليه الاتفاق، وتطالب بيروت المجتمع الدولي بالضغط على تل أبيب لتنفيذ التزاماتها.
ووجهت إلى إسرائيل اتهامات بارتكاب العديد من الانتهاكات الأخرى في لبنان -لا سيما في المناطق المدنية- خلال الأشهر القليلة الماضية، وأفادت الأمم المتحدة أن إسرائيل قتلت أكثر من 100 مدني في لبنان منذ الهدنة.
وحتى 9 أكتوبر، أكد مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أن 107 من القتلى كانوا مدنيين، وفقًا للمتحدث باسمه ثمين الخيطان.
ويقول لبنان أيضًا إن الضربات الإسرائيلية غالبًا ما تؤذي المدنيين وتدمر البنية التحتية غير المرتبطة بحزب الله. وأفادت وزارة الصحة اللبنانية بمقتل أكثر من 270 شخصًا وإصابة نحو 850 آخرين جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ وقف إطلاق النار.
ولم يُقتل أي إسرائيلي بنيران من لبنان منذ وقف إطلاق النار. صرحت المتحدثة باسم اليونيفيل، كانديس أرديل، بأنه من 27 نوفمبر 2024 وحتى منتصف أكتوبر، رصدت اليونيفيل حوالي 950 قذيفة أُطلقت من إسرائيل على لبنان و100 غارة جوية إسرائيلية.
وخلال الفترة نفسها، أفادت اليونيفيل بإطلاق 21 قذيفة من لبنان باتجاه إسرائيل. وأعلن حزب الله مسؤوليته عن هجوم واحد منذ وقف إطلاق النار.
في مقابلة مع "أسوشيتد برس" الشهر الماضي، قال المسؤول السياسي في حزب الله محمد فنيش، إن احتمال التعايش مع الهجمات الإسرائيلية اليومية "غير مقبول". وأضاف: "إذا تطورت الأمور أكثر، فإن قيادة المقاومة تدرس الأمور، وجميع الخيارات مفتوحة".
وقالت المحللة يعقوبيان إنها لا تتوقع تغير الوضع في لبنان في وقت قريب، "إلا إذا حدث تقدم في المفاوضات السرية التي توسطت فيها الولايات المتحدة".
وأضافت أنه مع وقف إطلاق النار في غزة، قد يكون الفارق هو "الدور المهم" للوسطاء الآخرين، مصر وقطر وتركيا.
وتثير الانتهاكات الإسرائيلية للهدنة في لبنان تساؤلات حول ما إذا كان وقف إطلاق النار في غزة سيختلف، إذ قال سامي نادر، مدير معهد العلوم السياسية في بيروت، لـ"نيوزويك": "الضمان الحقيقي الوحيد لاستمرار وقف إطلاق النار هذا هو قدرة ترامب على الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة نهائيًا.. وبدون هذه الإرادة السياسية من واشنطن، يخشى أن يتعثر التنفيذ كما كان من قبل".
وقالت حنين غدار، زميلة فريدمان البارزة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لنيوزويك، إن اتفاق غزة "ليس كأي اتفاقات وقف إطلاق نار سابقة أو محاولات للتوصل إلى اتفاق، إنه مختلف".
وأضافت أن الدول العربية مارست ضغوطًا شديدة على حماس، وأن "إسرائيل تعرضت أيضًا لضغوط كبيرة من ترامب"، مشيرة إلى أن "الزخم" من ترامب والدول العربية من حيث الضغط الخارجي، من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من إنفاذ وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى.
ومع ذلك، قالت: "إنه وقف إطلاق نار، وليس اتفاق سلام بعد.. ووقف إطلاق النار هش تاريخيًا، انظر إلى لبنان".
هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت، يشعر بالقلق من استمرار وقف إطلاق النار، حيث صرح لنيوزويك: "يمكن لإسرائيل استخدام نفس المبررات التي استخدمتها ضد حزب الله لاستهداف حماس والجهاد الفلسطيني، وخاصة رفضها نزع سلاحهما أو محاولة إعادة بناء بنيتهما التحتية العسكرية بالكامل".
وأضاف خشان: "يمكن لإسرائيل أيضًا التذرع بمبدأ الدفاع عن النفس -سواء كان حقيقيًا أو مُتخيلًا- ضد حماس والجهاد الفلسطيني".