بعد عامين من الحرب المدمرة في غزة، ووسط احتفالات حذرة بتبادل المحتجزين والأسرى ووقف إطلاق النار، بدأت المرحلة الثانية من العملية السياسية التي وصفتها واشنطن بأنها "الفرصة الأخيرة للسلام في الشرق الأوسط".
فقد شكّل إطلاق سراح 20 محتجزًا إسرائيليًا مقابل نحو ألفي أسير فلسطيني، وإعلان وقف إطلاق النار الشامل، نهاية فصلٍ دموي استمر طويلًا، لكنه لم ينه بعد الصراع الأعمق حول مستقبل غزة، وسلاح حماس، وهو الملف الأكثر تعقيدًا في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
المرحلة الصعبة تبدأ
وخلال قمة شرم الشيخ للسلام التي استضافتها مصر مساء أمس الاثنين، جمع الرئيس دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي عشرات الزعماء العرب والدوليين لإطلاق ما وصفاه بـ "المرحلة الثانية من السلام".
وقال ترامب في كلمته أمام القادة: "بدأت المرحلة الثانية. سيكون هناك تقدم هائل. هذا هو السلام في الشرق الأوسط، الجميع قال إنه مستحيل، لكنه سيحدث". لكن خلف هذا التفاؤل، تلوح صعوبات كبرى تهدد بنسف الزخم الدبلوماسي الجديد. فكما يؤكد الخبراء، فإن نزع سلاح حماس وإقامة نظام حكم جديد لغزة يمثلان التحدي الحقيقي بعد الحرب.
شروط إسرائيل وموقف حماس
وتصر إسرائيل، بدعم من واشنطن، على أن انسحابها الكامل من غزة لن يتم إلا بعد ضمان تفكيك الجناح العسكري لحركة حماس، وهو ما أكده ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال القمة. لكن هذا الشرط يبدو، وفق محللين، شبه مستحيل التنفيذ.
ويقول الكاتب الفلسطيني أكرم عطا الله، المقيم في لندن، إن "القضية الرئيسية لم تحل بعد وهي سلاح حماس"، موضحًا أن الحركة "تأسست على مبدأ المقاومة وحمل السلاح"، وأن نزع سلاحها يعني "تفكيك أيديولوجيتها نفسها".
ورغم الأجواء الإيجابية التي أعقبت وقف إطلاق النار، حذر عطا الله من أن "الغيوم الداكنة تقترب في الأفق"، مضيفًا: "أشعر بالسعادة الآن، لكنني أرى مؤشرات خطر، ولا أعرف ما الذي تحمله الأيام المقبلة".
خطة ترامب
وتتضمن خطة ترامب المؤلفة من عشرين نقطة، التي أعلن عنها في قمة شرم الشيخ، رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة وإعادة دمجها سياسيًا واقتصاديًا، وتشمل إنشاء قوة دولية لتأمين القطاع ومنع عودة القتال، وإطلاق برنامج واسع لإعادة الإعمار بتمويل دولي وإشراف عربي، فضلًا عن تشكيل لجنة حكم فلسطينية مؤقتة تشرف عليها هيئة دولية مشتركة.
لكن ما يزال موعد بدء المرحلة الثانية من المفاوضات غير محدد، كما لم يُعرف بعد من سيشارك في القوة الدولية أو كيف سيتم تمويلها.
مخاوف من انتكاسة
ورغم إعلان ترامب أن "الحرب انتهت"، فإن كثيرًا من المحللين والمسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن السلام لا يزال بعيد المنال. قال زوهار بالتي، المسؤول السابق في الموساد ووزارة الدفاع الإسرائيلية: "إذا وقع هجوم إرهابي واحد ضد موقع إسرائيلي، فإن كل شيء سينهار في دقيقة واحدة".
أما نمرود نوفيك، المبعوث الإسرائيلي السابق والباحث في "منتدى السياسة الإسرائيلية"، فحذّر من تأثير الضغوط الداخلية على نتنياهو، قائلًا: "إذا شعر الإسرائيليون بعد أسابيع أن الحرب لم تحقق سوى هدنة مؤقتة، فسيحاول نتنياهو استعادة هيبته عبر عمل عسكري جديد".
ويعوّل الأمريكيون على مصر وقطر وتركيا لممارسة ضغط متوازن على حماس لضمان عدم استفزاز إسرائيل أو خرق الهدنة. وتقول مصادر دبلوماسية إن الدول الثلاث ستكون "ضامنة أساسية" لنجاح المرحلة الثانية من خطة السلام، خصوصًا في ظل غياب السلطة الفلسطينية عن المعادلة حتى الآن.
ومن جهته، قال إبراهيم المدهون، المحلل السياسي المقرب من حماس، إن الحركة "مستعدة لتقديم بعض التنازلات لتسهيل إعادة الإعمار"، لكنها "لن تتخلى عن نفوذها السياسي والعسكري بالكامل"، مضيفًا أن حماس "تركز الآن على الحفاظ على الهدوء والمشاركة في الحل، لا أن تكون جزءًا من المشكلة".
أما بالتي، المسؤول الإسرائيلي السابق، فاعتبر أن من الصعب تخيل تطبيق خطة ترامب على أرض الواقع: "إذا كان أحد يعتقد أن هذه العملية يمكن تحقيقها بعصا سحرية خلال أيام، فهو واهم. هذا لن يحدث، ليس لأنني متشائم، بل لأنني واقعي".