لم يكن الدكتور أحمد عمر هاشم مجرد أستاذ حديث، أو خطيب يجيد اختيار عباراته، بل كان صوتًا عابرًا للأزمنة، جمع بين هيبة العالم ودفء الداعية ومرونة المربي، حتى رحل اليوم الثلاثاء، في هدوءٍ كما عاش.
اليوم، شيعه محبوه من الجامع الأزهر إلى الساحة الهاشمية بقريته بمحافظة الشرقية في دلتا مصر، فرحل الجسد، لكن صوته ما زال باقيًا مألوفًا في آذان من سمعوه وفي قلوب من صدقوه.
وفي قرية تشبه اسمه "الشيخ أبو هاشم"، وُلد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ونشأ فيها بين القرآن والمحراب، في بيت عتيق يتنفس العلم ويعامله كعبادة لا كمهنة، فحفظ كتاب الله صغيرًا، وتشرب علوم الأزهر حتى صار من أعمدته.
بمرور الوقت، أصبح الدكتور هاشم صوتًا مألوفًا للملايين عبر الخطب والبرامج، لم يكن يعلو صوته على المنبر ليُرهب، بل ليمدّ جسرًا بين النص والناس، بأسلوب يقطر وعيًا وشعرًا ودمعة.
خلال حياته تعرض لعدد من شائعات الوفاة، كان أبرزها في مثل هذا اليوم (7 أكتوبر) من عام 2018، حينها خرج بصوته الثابت وقلبه المؤمن، في مداخلة هاتفية على شاشة "إكسترا نيوز"، قائلًا: "لم يجدوا شيئًا يقولونه إلا أن يستخفوا بقدر الله، لأن الموت قدر الله وبيد الله، فالاستخفاف به معاندة لقدر الله سبحانه وتعالى". كان رده هادئًا كعادته، لا غضب فيه، بل تسليم ووعي بقضاء الله.
شغل مناصب علمية رفيعة، فعمل عميدًا، رئيسًا لجامعة الأزهر، وعضوًا بهيئة كبار العلماء، لكن المناصب لم ترفعه عن الناس، بل ظل يجلس بينهم، ينصت ويصغي، ويسير بينهم على ضوء يقينه.
ينتمي الدكتور أحمد عمر هاشم إلى أسرةٍ عريقةٍ عُرفت بالصلاح والعلم والنسب الشريف، إذ يتصل نسبه بالإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وُلد في السادس من فبراير عام 1941م بقرية الشيخ "أبو هاشم" التابعة لقرية بني عامر بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وهي القرية التي حملت اسم عائلته ذات التاريخ الأزهري والديني العريق.
اشتهر الدكتور أحمد عمر هاشم بأسلوبه المتميز في الخطابة والدعوة إلى الله، إذ كان يمتلك قدرةً فريدةً على جذب انتباه المستمعين من مختلف الأعمار، بفضل لغته الثرية وأسلوبه المؤثر الذي يمزج بين البيان والإحساس. كما كان يُضفي على خطبه نَفَسًا روحانيًّا خاصًّا من خلال الأشعار التي تتضمن معاني إيمانية عميقة، مما جعل كلماته تصل إلى القلوب قبل الآذان. هذا التفرّد جعله واحدًا من أبرز الدعاة في مصر والعالم الإسلامي، ورفع من مكانته في قلوب الجماهير.
نشأ الدكتور أحمد عمر هاشم في بيتٍ عامرٍ بحبّ القرآن والعلم، فكان والده حريصًا على تنشئته على القيم الدينية السامية منذ طفولته. حفظ القرآن الكريم في كُتّاب قريته، ثم التحق بمعهد الزقازيق الديني الأزهري، قبل أن يواصل مسيرته التعليمية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، حيث تخرّج فيها وواصل مشواره الأكاديمي والعلمي، ليصبح أحد أبرز علماء الأزهر الذين تركوا أثرًا بالغًا في تربية أجيالٍ من طلاب العلم والباحثين.
محطات علمية
بدأ الدكتور أحمد عمر هاشم مسيرته العلمية بحفظ وتجويد القرآن الكريم في العاشرة من عمره، ودرس المرحلة الابتدائية بالأزهر الشريف، واستمر في دراسته الأزهرية حتى تخرّج في كلية أصول الدين عام 1961م.
ثم حصل على الإجازة العالمية عام 1967م، وعُيِّن معيدًا بقسم الحديث وعلومه بكلية أصول الدين، قبل أن يحصل على درجة الماجستير عام 1969م، ثم الدكتوراه في التخصص ذاته.
عمل أستاذًا للحديث وعلومه عام 1983م، ثم عُيِّن عميدًا لكلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987م.
وفي عام 1995م، تولّى رئاسة جامعة الأزهر الشريف، ثم أصبح عضوًا في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
كما شغل عددًا من المناصب العلمية والثقافية المرموقة، من أبرزها:
عضوية مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
رئاسة لجنة البرامج الدينية بالتليفزيون المصري.
عضوية مجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
عضوية المجلس الأعلى للطرق الصوفية، واتحاد الكتّاب، والمجلس الأعلى للصحافة والثقافة والجامعات.
رئاسة المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين العالمية.