أثار إعلان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" عن رصد منطاد تجسس صيني فوق الأراضي الأمريكية، التساؤلات عن حجم المعلومات التي يمكن للمنطاد جمعها، فضلًا عن أسباب العودة لاستخدام المنطاد، وهو إحدى أدوات التجسس القديمة التي ابتكرته الصين منذ أوائل القرن الماضي.
بينما صرح مسؤولون أمريكيون بأن المنطاد، الذي تم رصده لأول مرة فوق ولاية مونتانا في شمال غرب الولايات المتحدة، الخميس الماضي، قد يصل وفقًا لمساره الحالي إلى عدد من المواقع الحساسة، إلا أن الخارجية الصينية في المقابل أعلنت أن هذا المنطاد "مدني" يستخدم بشكل أساسي لأبحاث الطقس، لكنه انحرف عن مساره المخطط له، وفي المقابل ووفق التوقيت الحساس التي تمر به العلاقات الأمريكية- الصينية يضع علامة استفهام حول هذه الخطوة، خاصة بعد تأجيل زيارة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي لبكين، وأيضًا إشارة رئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفن مكارثي، إلى إمكانية تكرار زيارة سالفته نانسي بيلوسي إلى تايوان، الأمر الذي يبشر بإمكانية نشوب حرب فضاء بين الولايات المتحدة والصين تقوم على التجسس ربما أو على جس نبض الخصم تجاه أي خطوات تصعيدية مستقبلية.
رد بايدن
مع توتر أزمة المنطاد الصيني قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، اليوم السبت، في مؤتمر صحفي إن الولايات المتحدة "ستتولى أمر" المنطاد ولم يوضح الرئيس الأمريكي كيف سيتم "تولي أمر" المنطاد.
ويأتي ردّ بايدن في وقت ذكرت فيه وسائل إعلام أمريكية، نقلًا عن مصادر في وزارة الدفاع "البنتاجون"، أنه من المتوقع أن يغادر المنطاد الصيني السواحل الشرقية للولايات المتحدة بحلول اليوم السبت بالتوقيت المحلي للولايات المتحدة.
وقال موقع شبكة "سي إن إن" الأمريكي إن المنطاد قد يخرج من الساحل الشرقي في وقت مبكر من صباح السبت، وذلك استنادًا إلى نموذج الطقس التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وتقول وزارة الدفاع الأمريكية إنها تتبع المنطاد -بحجم ثلاث حافلات- منذ عدة أيام، لكنها قررت عدم إسقاطه، معللة ذلك بأن المنطاد يحلق فوق ارتفاع حركة الطيران التجاري والعسكري، ولا يشكل تهديدًا استخباراتيًا ضخمًا.
لكن وفق مصادر لوكالة أسوشيتد برس، أوضحت، اليوم السبت، أن إدارة بايدن تدرس إسقاط المنطاد الصيني فوق الأطلسي وانتشال حطامه.
لماذا لا تُسقط أمريكا المنطاد الصيني؟
أوضح البنتاجون أن منطاد التجسس الصيني يتحرك شرقًا ويوجد فوق مركز الولايات المتحدة، وأنه مخصص للمراقبة، كما ينتهك المجال الجوي الأمريكي والقانون الدولي،
وحول سبب عدم إسقاطه، أكد البنتاجون أن "المنطاد الصيني بعيد عن حركة الطيران، كما أنه لا يمثل أي تهديد للمواطنين"، لكن تصريحات البنتاجون أوضحت أن المنطاد لديه القدرة على المناورة، وأشار إلى تقييم مدى تأثير إسقاط المنطاد الصيني على المواطنين في الولايات المتحدة، موضحًا أنه "قد يظل في الأجواء الأمريكية لعدة أيام".
وأفاد مسؤولون أمريكيون بأن "المنطاد كبير بما يكفي ليشكل تساقط حطامه على الأرض خطرًا على السكان".
ودرس البنتاجون عدة خيارات، بما فيها إسقاطه في أثناء تحليقه فوق منطقة قليلة السكان، لكنه رأى أن "المخاطر تبقى كبيرة، وأنه من غير المجدي المجازفة، حتى لو كانت مخاطر إسقاطه ضئيلة"، بحسب مسؤول كبير في الدفاع، وفق ما نقلته "فرانس برس".
حرب النجوم
هذه القدرة الكبيرة على التحليق على ارتفاع كبير دون رصد، تجعل من المنطاد، الذي يعد أداة تقليدية جدًا، إذا صحت الاتهامات الأمريكية، بأنه يحاول التجسس، بمثابة "شبح قديم يطل بوجه جديد".
هذا الشبح يمكن أن يعيد إلى الواجهة مصطلح حروب النجوم، وحروب الفضاء، ويحرك جهود تشكيل جناح دفاعي بالجيش الأمريكي معني بالفضاء، وكل ما يخرج من نطاق عمل المقاتلات والصواريخ البالستية، وفق مراقبين.
وكان مصطلح إنشاء قوة فضائية في الجيش الأمريكي مطروحًا في فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن وكالة أنباء الصين الرسمية (شينخوا) وصفت الخطوة في حينها، بأنها ستحوّل "حرب النجوم" إلى واقع.
وفي زمن الأقمار الصناعية، والتطورات الحديثة التي جعلت الأجهزة الإلكترونية ضخمة الإمكانات ومتناهية الصغر، كان يعتقد حتى وقت قريب أن الأدوات التقليدية مثل البالون باتت من الماضي.
ووفق تحليل لشبكة "سي إن إن" أوضحت فيه أن هذه الأدوات القديمة للمراقبة، والتي تعرف بـ"منصات الاستخبارات العائمة"، قد تسجل عودة مهمة في عالم اليوم، عبر الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة.
ونقلت الشبكة الأمريكية عن بيتر لايتون، زميل في معهد "جريفيث آسيا" في أستراليا وضابط سابق في القوات الجوية الملكية الأسترالية، "يمكن أن تزن حمولات البالون في الوقت الحالي، وزنًا أقل، وبالتالي يمكن أن تكون البالونات أصغر وأرخص وأسهل في الإطلاق" مقارنة بالأقمار الصناعية.
بينما يقول بليك هيرزينجر، الخبير في السياسة الدفاعية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في معهد "أمريكان إنتربرايز"، في تصريحات صحفية، إنه "رغم سرعتها البطيئة، إلا أنه ليس من السهل دائمًا اكتشاف البالونات، ما يمنحها ميزة إضافية في عالم اليوم".
ويوضح: "بصمتها الحرارية منخفضة للغاية وانبعاثاتها تقترب من الصفر، وبالتالي من الصعب التعرف عليها ورصدها سواء بالطرق التقليدية أو التكنولوجيا الحديثة".
ويتابع "تتمثل ميزة المناطيد في إمكانية توجيهها باستخدام أجهزة الكمبيوتر الموجودة على متن الطائرة والاستفادة من الرياح ويمكنها الصعود والنزول بدرجة محدودة. هذا يعني أنها تستطيع التسكع ورصد الكثير من التفاصيل".
وبصفة عامة، يعود استخدام البالونات كمنصات تجسس إلى الأيام الأولى للحرب الباردة، إذ استخدمت الولايات المتحدة المئات منها لمراقبة خصومها.