أثار وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، موجة من القلق والتساؤلات في الأوساط العسكرية والسياسية بقراره المفاجئ استدعاء مئات الجنرالات والأدميرالات لاجتماع عاجل في فيرجينيا الأسبوع المقبل، في خطوة وصفها خبراء الدفاع بـ"غير المسبوقة" و"المحفوفة بالمخاطر".
اجتماع غامض
تشمل دعوة هيجسيث مئات الضباط من حملة النجوم الواحدة إلى الأربع، بالإضافة إلى كبار مستشاريهم، حسبما كشف مسؤول في وزارة الدفاع لصحيفة فاينانشيال تايمز، إذ تشير بيانات البنتاجون إلى وجود 838 ضابطًا من الرتب العليا في الخدمة الفعلية، منهم 446 من القيادات الكبرى والعليا، دون توضيح العدد الدقيق المستدعى للاجتماع.
أكد المتحدث باسم البنتاجون شون بارنيل أن هيجسيث "سيخاطب كبار قادته العسكريين مطلع الأسبوع المقبل"، لكنه رفض الكشف عن تفاصيل إضافية حول الأجندة أو الهدف من هذا التجمع الاستثنائي، مما زاد من حالة الغموض والتكهنات المحيطة به.
مخاوف من تهديد الأمن القومي
انتقد خبراء الدفاع بشدة هذا القرار، محذرين من عواقبه الخطيرة على قدرة الجيش الأمريكي على الاستجابة للأزمات، إذ وصف مايكل أوهانلون، خبير استراتيجية الدفاع في معهد بروكينجز والعضو السابق في مجلس سياسة الدفاع بالبنتاجون، الاجتماع بأنه "متهور" و"درامي للغاية"، مشيرًا إلى أنه "يعرض قدرة القيادة والسيطرة للخطر في وقت لا نعرف فيه متى قد تندلع أزمة".
وأضاف أوهانلون أن الاجتماع "يمنح خصومنا المحتملين خمسة أيام للتخطيط لأي مشاكسات قد يرغبون في القيام بها"، وإن كان لا يتوقع حدوث هجوم فعلي.
وأكد خبير آخر أن سحب كل هؤلاء الضباط الكبار من مهامهم يعكس "إحباطًا متزايدًا" بين القيادات العسكرية العليا من تفاقم "البيروقراطية وعدم الكفاءة".
من استراتيجية الدفاع إلى اختبار الولاء
تتراوح التفسيرات المطروحة للاجتماع بين عدة احتمالات، بحسب مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع تحدثوا لـفاينانشيال تايمز، إذ إن الاحتمال الأول هو الإعلان عن استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة المنتظرة، والتي من المتوقع أن تحول الأولوية نحو الوطن والنصف الغربي من الكرة الأرضية بعيدًا عن التركيز على الصين وروسيا.
وفي الاحتمال الثاني يعتقد مارك كانسيان، المسؤول السابق في البنتاجون والباحث الحالي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن هيجسيث سيحث كبار ضباطه على الولاء ويطالبهم بـ"تنفيذ برنامج الرئيس دون معارضة، وإذا لم يستطيعوا ذلك فعليهم التقاعد".
وأضاف أن مثل هذا الاجتماع سيكون "محرجًا جدًا للضباط الكبار، لأنهم من جهة أقسموا يمينًا للدستور، ومن جهة أخرى يخضعون لقيادة الرئيس".
ردود فعل متباينة ومقارنات
أثار بن هودجز، القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا، عاصفة من الجدل بمقارنته الاجتماع بحدث تاريخي من يوليو 1935، عندما استُدعي الجنرالات الألمان لتجمع مفاجئ في برلين وأُبلغوا بإلغاء قسمهم السابق لدستور فايمار ووجوب أداء قسم شخصي للفوهرر.
ورد هيجسيث على هذه المقارنة الحادة بسخرية على منصة إكس قائلاً: "قصة رائعة، أيها الجنرال".
في المقابل، قلل نائب الرئيس جي دي فانس من أهمية الضجة المثارة، قائلاً الخميس: "ليس من غير المعتاد أن يأتي الجنرالات للتحدث مع هيجسيث"، بينما استخف ترامب بالأمر متسائلًا عما إذا كان يستحق كل هذا الاهتمام.
لكن كانسيان أكد أن حجم الاجتماع ووقت التحضير المحدود وغياب أجندة واضحة يجعله "غير مسبوق"، رغم أن قادة القيادات المقاتلة يأتون إلى واشنطن مرتين سنويًا.
حملة ترامب للتطهير
يأتي هذا الاجتماع في سياق حملة تطهير واسعة شنتها إدارة ترامب منذ توليها السلطة، إذ أقالت 14 ضابطًا عسكريًا كبيرًا كجزء من إعادة هيكلة شاملة للأمن القومي.
شملت الإقالات رئيس هيئة الأركان المشتركة سي كيو براون، ورئيسة العمليات البحرية ليزا فرانشيتي، وقائدة خفر السواحل ليندا فيغان.
كما طالت الإقالات مدير وكالة الأمن القومي تيموثي هوج ونائبه، ومدير وكالة استخبارات الدفاع الفريق جيفري كروز.
وكان هيجسيث قد أمر في مايو الماضي بتخفيض 20% من أعلى القيادات العسكرية و10% من جميع الجنرالات والأدميرالات.
من جانبها ترى كوري شيك، المديرة السابقة لاستراتيجية الدفاع في مجلس الأمن القومي والباحثة الحالية في معهد أمريكان إنتربرايز، أن الاجتماع "استعراض قوة من جانب هيجسيث يُظهر أنه يستطيع دعوتهم جميعًا للانصياع"، مضيفة أنه "نظرًا لأنه يضم جميع القادة ورقباءهم الأوائل، فهو على الأرجح متعلق بهوس الوزير بروح المحارب ومعايير المظهر" أكثر من الاستراتيجية.