مع تزايد انخراط الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية بالعديد من دول العالم، تسعى التنظيمات الإرهابية إلى استغلال تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي الناشئة من أجل تحقيق أجنداتها.
ومن بين هذه التنظيمات، وربما أكثرها خبرة في التعامل مع التقنيات الحديثة، تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي استطاع لسنوات تجنيد العديد من العناصر عبر الإنترنت.
ورغم خسائره في ساحات المعارك، أثبتت التكتيكات التي اتبعها التنظيم قدرته على تجاوز جهود الحكومات لمواجهته، وهو خطرٌ تفاقم بسبب الطبيعة الجديدة لبرمجيات الذكاء الاصطناعي الحديثة.
ويحذر خبراء من أن الذكاء الاصطناعي في أيدي عناصر "داعش" يمثل نقطة تحول جديدة في وقت يتطلع فيه التنظيم وأتباعه إلى تحقيق عودة دولية مدعومة بالتقنيات المتطورة في المجال الرقمي، كما تشير مجلة "نيوزويك" الأمريكية.
التنظيمات المسلحة والتكنولوجيا
كان استخدام التكنولوجيات الناشئة منذ فترة طويلة أسلوبًا رئيسيًا للجماعات المسلحة والمنظمات المتطرفة لكسب جماهير جديدة واستغلال الثغرات في الوعي لدى المؤسسات الخاصة والحكومية.
وتزامن صعود تنظيم "القاعدة"، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات تقريبًا، مع بداية عصر الإنترنت، حيث وجد أنصار التنظيم أرضًا خصبة لزرع بذور الأيديولوجية الجهادية على المواقع والمنتديات التي كانت تخضع لقدر ضئيل من الرقابة في ذلك الوقت.
كما أن نشر التنظيم للوسائط المادية، بما في ذلك أشرطة VHS والأقراص المضغوطة، شكّل أيضًا عصرًا جديدًا للمسلحين الذين أصبحوا الآن قادرين على مشاركة مقاطع الفيديو التدريبية مع رجالهم، وبث الرسائل على منافذ الأخبار الرئيسية للجمهور الدولي.
أما تنظيم "داعش"، الذي يعود أصله إلى تنظيم "القاعدة في العراق"، فقد خطى خطواتٍ أبعد منذ ظهوره العالمي عام 2014، بسلسلة من عمليات الاختطاف ومقاطع فيديو مروّعة لذبحٍ نُشِرت عبر الإنترنت، حيث أنتج التنظيم مقاطع فيديو على غرار أفلام هوليوود، تُفصّل انتصاراته المزعومة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه.
ومع انضمام الجيش الأمريكي إلى مجموعة من اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين لتفكيك الجماعة الإرهابية في العراق وسوريا، شنَّ البنتاجون أيضًا حملة إلكترونية مصاحبة، تعرف باسم "عملية السيمفونية المتوهجة"، لمواجهة البصمة الرقمية الواسعة للتنظيم.
ومع ذلك، بعد ست سنوات من إعلان هزيمة المعقل الرئيسي للتنظيم عام 2019، لا تزال استراتيجية "داعش" الإعلامية قائمة، بل وتوسعت، حيث تُنتج موادها بلغات وأشكال أكثر من أي وقت مضى.
ومع استمرار التنظيم في شن هجمات في العراق وسوريا، يتزايد انتشار اسم داعش عبر "خراسان" في أفغانستان، وعدد من الجماعات الشريكة في مناطق مختلفة من إفريقيا.
دعاية إرهابية
كما هو الحال مع المستخدم العادي، يبدو أن "داعش" يستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير حتى الآن لتحسين أداء المهام التقليدية. وأكثر أشكال ذلك شيوعًا هو استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، لإنشاء ونشر المحتوى بسرعات فائقة وبوسائل أكثر جاذبية.
ما لفت الانتباه العام الماضي ظهور مقدمي أخبار تم إنشاؤهم بواسطة الذكاء الاصطناعي، يقدمون دعاية لـ"داعش" في أعقاب الهجوم المميت الذي شنّته الجماعة على قاعة اجتماعات خارج موسكو.
كان هذا مجرد مقطع واحد من عدد من المقاطع المماثلة التي تم إنتاجها كجزء من مبادرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي يشار إليها باسم "حصاد الأخبار"، التي تم تصميمها لسرد أنشطة المجموعة في جميع أنحاء العالم.
يلفت التقرير إلى أن أحد أهم محركي هذه الحملة هو "داعش- خراسان"، أحد أكثر فروع التنظيم نشاطًا على الصعيد الدولي، الذي يستقر في ولاية خراسان الأفغانية (ISKP)، وقد أعلن هذا الفرع مسؤوليته عن اثنين من أعنف الهجمات في تاريخ التنظيم الحديث، بما في ذلك الهجوم الذي وقع في روسيا وهجوم سابق في إيران.
أدوات جديدة
على الرغم من أن بعض أتباع التنظيم يعبّرون عن تشككهم، وحتى رفضهم، لتبني التكنولوجيا المبتكرة، فإن "داعش- خراسان" سعى إلى نشر الوعي بالمخاطر والفرص المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي من خلال مجلة "صوت خرسان" التابعة للتنظيم، التي تنتجها مؤسسة "العزايم".
كما لجأ أنصار التنظيم إلى تسليح أشكال معروفة من وسائل الإعلام الغربية، مثل حلقة مسلسل الرسوم المتحركة الشهير "فاميلي جاي" التي تم التلاعب بها لتصوير الشخصية الرئيسية وهي تردد ترنيمة إسلامية.
أيضًا، لا يقتصر استخدام "داعش" للذكاء الاصطناعي التوليدي على نشر رسالته الجهادية، بل قد يجد التنظيم طرقًا لاستخدام هذه التقنيات في التخطيط لهجمات واقعية، أو تطوير أدوات جديدة.
ينقل التقرير عن آدم هادلي، المؤسس والمدير تنفيذي لمنظمة "تكنولوجيا مكافحة الإرهاب"، من أن التطور الكبير لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الجديدة قد تمنح "داعش" قدرات أكبر بكثير للتخطيط وتنفيذ الهجمات.
يقول: "يومًا بعد يوم، تظهر قدرات جديدة. وأعتقد أن ما هو قادم قد يكون مخيفًا للغاية. بعد بضعة أشهر، قد يكون من الممكن الحصول على نظام عميل للبحث في الإنترنت عن جميع المواد التي يمكن استخدامها لصنع القنابل وشرائها لي وإرسالها إلى هذه العناوين."
وبعيدًا عن إنتاج الصور ومقاطع الفيديو كدعاية، التي لا تزال تشكل الغالبية العظمى من محتوى الذكاء الاصطناعي المرتبط بالتنظيم، فإن الذكاء الاصطناعي "سيصبح فجأة قادرًا على القيام بنشاط كان من الممكن أن يستغرق من الإرهابي مئات الساعات للقيام به"، كما قال هادلي.