تفاقمت مُعاناة النساء الفلسطينيات مع شروع جيش الاحتلال الإسرائيلي في اجتياح مدينة غزة، وإجبار مئات الآلاف على النزوح إلى جنوب القطاع المنكوب جراء الحرب التي اقتربت من عامها الثالث.
وبدأت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، مدعومة بالدبابات، التوغل في مدينة غزة مساء الاثنين الماضي، ووثقت صحيفة "هآرتس" العبرية، رحلة نزوح مئات الآلاف من المدينة إلى وسط القطاع وجنوبه، والعديد من النازحين نساء.
ونقلت الصحيفة عن ميساء عودة، وهي من سكان غزة في الخمسينيات من عمرها: "إن كلمة النزوح لا تصف ما نمر به". وقالت: "لا أتمنى هذا لليهود الذين يقتلوننا. والله، لا أتمنى لهم شيئًا كهذا - حتى لو كانوا أعداءنا. النزوح أمر صعب للغاية، صعب ومرير".
توثق الصور الملتقطة من قطاع غزة رحلة النساء الفلسطينيات جنوبًا سيرًا على الأقدام. يُجبرن على السير مسافة 13 كيلومترًا على الأقل (8 أميال) إلى أول محطة استراحة قرب النصيرات، ثم 20 كيلومترًا أخرى (12 ميلًا) للوصول إلى المواصي، وهي منطقة مساحتها 35 كيلومترًا مربعًا (14 ميلًا مربعًا)، أي 13% من إجمالي القطاع، وتريد إسرائيل حشر حوالي مليوني رجل وامرأة وطفل فيها.
في العديد من الصور، تظهر النساء وهن يحملن جميع محتويات خزائنهن، وزجاجات المياه الفارغة، وحقائب الظهر إما على ظهورهن، وأحيانًا على رؤوسهن. وهن متمسكات بهياكل السيارات لساعات، يحملن أفراد عائلاتهن ومحتويات منازلهن، إذ لم يعد لديهن مكان للجلوس.
وتُضطر امرأة في الثمانين من عمرها لقطع الرحلة سيرًا على الأقدام، ونساء يُقبّلن أبواب المنازل التي سكنّها لسنوات طويلة، ونساء ينمن مع أفراد عائلاتهن على أرصفة الشوارع لأنهن لا يجدن مأوى، دون دورات مياه أو ماء أو مكان آمن.
يوجد حاليًا 1.06 مليون امرأة في قطاع غزة، 14 ألفًا منهن أصبحن المعيلات الوحيدات لأسرهن في ظل الحرب، وأفادت وزارة الصحة في غزة أن 19% من بين أكثر من 60 ألف شهيد هم من النساء.
وبينما يواجه جميع الفلسطينيين في مدينة غزة صعوبات جمة، تتحمل النساء أعباء إضافية، صعوبات في النظافة الشخصية، ونقص التغذية أثناء الحمل والرضاعة، وانعدام الخصوصية، والتعرض للعنف الجسدي، وتُضطر النساء إلى مواجهة هذه التحديات من جديد مع كل نزوح.
ونقلت "هآرتس" عن أرملة، أم لخمسة أطفال، نزحت عائلتها من منزلها وتعيش الآن في خيمة بمدينة غزة، أنهم فرّوا سيرًا على الأقدام من حي تل الهوى بعد 30 يومًا من القصف المكثف على المنطقة. وقالت: "لم نجد سيارة أو عربة، ولم يكن لدينا حتى المال لدفع أجرة المواصلات". سافرت مع ابنة عمها، وهي أرملة لديها 7 أطفال، وامرأتين مريضتين، وأضافت: "لا نملك حتى خيمة، فقط ملابسنا".
وروت أنها والنساء الأخريات فررن بعد إطلاق طائرات مسيّرة تابعة للجيش الإسرائيلي النار في منطقتهن، ولم يتوقف الأطفال عن البكاء من الخوف، غادرن المنطقة الساعة السادسة صباحًا، ووصلن إلى النصيرات ليلًا.
وفي محاولة لاحتواء العنف ضد المرأة، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، الأحد الماضي، أنه سيوفر 10 خيام للنساء والأطفال النازحين المعرّضين للخطر، كما أعلن عن توزيع 921 مجموعة من مستلزمات النظافة، بالاشتراك مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.
ومع ذلك، أضاف "أوتشا" أن هناك نقصًا حادًا في مجموعات النظافة للنساء، وأنهم سينشئون مكتب مساعدة على طريق الرشيد. وبينما تتجه النساء النازحات جنوبًا من مدينة غزة، يُقدّم مركز الاستقبال الدعم النفسي ويُحدّد الجرحى ويعالجهم.
أحمد أبو عمشة، موسيقي فرّ من مدينة غزة مع عائلته قبل بضعة أيام، نشر على إنستجرام أن الأطفال يضيعون في فوضى النزوح. يقول: "الأمهات يبحثن بشكل هستيري عن أطفالهن المفقودين، والأطفال يبكون ويطلبون عناق عائلاتهم. هذا يُحطّم قلبي".
وأضاف: "قضيت اليوم مع طفل تائه كهذا. هو الآن نائم بجانبي. لا أستطيع إلا أن أتخيل ألم وإرهاق والديه اللذين يبحثان عنه منذ زمن طويل".
نشر "عمشة" تفاصيل الطفل في عدة مجموعات واتساب، وبعد 14 ساعة، أعلن بفرح أنه جمعه بعائلته. ويقول إن العائلة كانت على بُعد 5 كيلومترات (3 أميال) من المخيم الذي نزح إليه، وأنهم كانوا يبحثون عن الصبي طوال الليل.
أعلن "أوتشا" أنه نتيجة للنزوح، أنشأ نقاط خدمة "لتقديم الدعم الفوري للأطفال الأكثر ضعفًا" في جنوب قطاع غزة، وأفاد بأن مكاتب المساعدة قدّمت الدعم لـ15 طفلًا لديهم "مخاوف أمنية عاجلة" -أي أنهم جرحى أو أيتام أو منفصلون عن عائلاتهم.