لا يُولي معظم الناس أهمية كبيرة للإدراك عند محاولتهم طرد ذبابة مزعجة من نافذة مفتوحة، أو ضربها. ومع ذلك، فإن فهم إدراك الحشرات يمكن أن يُلهم طرقًا جديدة لمكافحة الآفات والأمراض التي تنقلها.
ينقل الكثير من الذباب الأمراض، لذا نحتاج إلى مكافحته للوقاية من الأمراض لدى البشر والحيوانات. ومن خلال التعمق في العالم الإدراكي للذبابة، يأمل الباحثون في التمكن من فهم سلوكها بشكل أفضل، وابتكار أساليب جديدة للسيطرة عليها.
عيون مركبة
وفقًا لموقع "ستادي فيدز"، في حين أن عين الإنسان لها عدسة واحدة فقط، فإن العيون الرئيسية للذباب هي عيون مركبة تتكون كل منها من مئات أو آلاف العدسات الفردية.
وتحتوي عين ذبابة الفاكهة على نحو 700 عدسة، بينما تحتوي عين ذبابة الصيد على نحو 5000 عدسة. وكل عدسة من هذه العدسات جزء من وحدة أخذ العينات تسمى العُقَيْد، التي تحتوي أيضًا على ثماني خلايا مستقبلة للضوء حساسة للضوء.
ضعف الإدراك المكاني
يرى الذباب العالم من خلال عيون مركبة مزودة بمئات العدسات، ما يمنحه سرعة في كشف الحركة مع تفاصيل محدودة مقارنةً بالرؤية البشرية.
يؤثر تركيب العين المركبة على قدرة الذبابة على تمييز الأشكال والأنماط. في ذباب المنزل، يُنشّط الضوء من نقطة معينة في مجال رؤيته سبعة مستقبلات ضوئية في سبع عُقَيْدات منفصلة من خلال عدساتها الخاصة. عند جمع هذه المعلومات، تُشبه إلى حد ما بكسل الصورة.
يتم توليد معلومات حول الشكل والنمط عند مقارنة النظام البصري لوحدات البكسل المتجاورة. ويحد ترتيب العدسات في العين المركبة من الحد الأدنى لحجم وحدة البكسل، وبالتالي قدرة الذبابة على تمييز التفاصيل المكانية.
ونتيجة لذلك، لا تستطيع الذبابة تمييز سوى التفاصيل المكانية غير الواضحة نسبيًا. إذا كان هناك ذبابة منزلية وإنسان ذو بصر حاد يخضعان لاختبار نظر، فستحتاج الذبابة إلى أن تكون على بُعد نحو 6 سم من الرسم البياني لتمييز التفاصيل، التي يستطيع الإنسان تمييزها على بُعد ستة أمتار.
ولكي تحقق الذبابة دقة مكانية تُضاهي دقة الإنسان، ستحتاج إلى عدسات أكبر وعين أكثر تسطحًا، ما ينتج عنه عين مركبة قطرها نحو متر واحد.
ميزة تفوق البشر
يُعوّض هذا النقص في حدة الإدراك المكاني بالسرعة، إذ تستجيب مستقبلات الضوء لدى بعض أنواع الذباب أسرع بكثير من مستقبلات الضوء لدى البشر.
وينطبق هذا على الذباب النهاري، الذي يمتلك مستقبلات ضوئية أسرع استجابة من أقرانه الليليين الأكثر ثقلًا.
بالنسبة لنا، يتلاشى الضوء الوامض إلى ضوء ثابت بمعدل 50-90 ومضة في الثانية، بينما تستطيع مستقبلات الضوء لدى ذبابة الفاكهة تمييز أكثر من 200 ومضة منفصلة في الثانية. الأمر الذي يجعلها ماهرة في تفادي الضربات.
وهكذا، ندرك الحركة في تسلسل سريع من الصور الثابتة التي تُشكّل رسمًا كاريكاتوريًا، ولكن قد لا تنخدع الذبابة.
إدراك الألوان
الألوان أمرًا بالغ الأهمية في هذا السياق. تحتوي شبكية العين البشرية على ثلاثة أنواع من المستقبلات الضوئية المخروطية الحساسة للضوء الأزرق والأخضر والأحمر، وتقارن أدمغتنا هذه الإشارات الثلاثة لتكوين إدراكات لونية.
على النقيض من ذلك، تحتوي ذبابة المنزل النموذجية على خمسة أنواع من المستقبلات الضوئية، بما في ذلك نوعان حساسان للأشعة فوق البنفسجية، ولكن لا يوجد أي نوع حساس بشكل خاص للضوء الأحمر.
نتيجةً لذلك، لا بد أن إدراك الألوان يختلف تمامًا بين الذباب والبشر، وتشير التجارب على الذباب الأزرق إلى أنه يُدرك أربعة ألوان مميزة فقط، بعضها لا يُضاهيها بشريًا.
يساعد فهم إدراك الذباب للألوان والأنماط على تصميم مصائد واستراتيجيات أفضل لمكافحة الآفات، مثل استخدام أهداف قماشية أرجوانية لجذب الذباب الناقل للأمراض، مثل ذبابة تسي تسي وذباب الإسطبلات.