الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بوتين يواجه خيارات صعبة.. الشراكات لا تخفف الضغوط على اقتصاد روسيا

  • مشاركة :
post-title
الزعماء بوتين وشي ومودي

القاهرة الإخبارية - محمود غراب

الأسبوع الماضي، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعيش حالة من النصر في الصين، حيث عاد إلى أحضان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأقام شراكة "بلا حدود" مع الزعيم الصيني شي جين بينج، ووقع اتفاقية خط أنابيب الغاز التي طال انتظارها بين موسكو وبكين، لكن في الداخل، فإن اقتصاد الحرب الروسي يرسل إشارات تحذيرية، وفق صحيفة "فايننشال تايمز".

وذكرت الصحيفة البريطانية أنه خلال السنوات الأولى من الحرب في أوكرانيا، أثبت الاقتصاد الروسي قدرته على الصمود أكثر بكثير مما كان متوقعًا، وذلك بفضل استقرار أسعار النفط والغاز والإنفاق العسكري، ما أدى إلى ارتفاع الأجور والطلب الاستهلاكي.

لكن مزيجًا من النفقات العسكرية المتزايدة، وتباطؤ النمو، والروبل القوي، وأسعار النفط الأضعف يفرض على الدولة الروسية اتخاذ قرارات صعبة.

هبوط ناعم

في حين يصر بوتين على أن البلاد تمر بمرحلة "هبوط ناعم"، قال جيرمان جريف، الرئيس التنفيذي لسبيربنك، أكبر بنك مقرض للدولة في البلاد، إن البلاد في حالة "ركود فني".

وتقول أليكسندرا بروكوبينكو، زميلة مركز "كارنيجي روسيا أوراسيا" في برلين: "عندما كانت الاحتياطيات وعائدات النفط وفيرة، كانت روسيا تعاني من الوهم بأنها قادرة على سد أي مشكلة اجتماعية بالمال، لكن الآن لم تعد الأموال متاحة بنفس القدر، لذا فقد حان الوقت لتحديد الأولويات".

انخفضت أرباح روسيا من الطاقة بنسبة 20% بين يناير وأغسطس، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وفقًا لوزارة المالية.

توقع المحللون الذين يستطلع البنك المركزي آراءهم بانتظام، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4% بنهاية هذا العام، مقارنة بتوسع قدره 4.3% في عام 2024، ولا يتوقعون أن يتجاوز 2% خلال السنوات الثلاث المقبلة، وحذر البنك المركزي من أن أسوأ السيناريوهات قد تدفع البلاد إلى ركود حاد.

وترى" فايننشال تايمز" أنه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحرب، لم تُبدِ روسيا أي مؤشرات على رغبتها في تقليص اقتصادها الذي تأثر بالحرب.

شراكات خارجية بديلة

وتشير الصحيفة إلى أن زيارة بوتين إلى الصين لم تبرز سوى الشراكات الخارجية البديلة التي يواصل الكرملين تعزيزها مع استمرار الحرب.

ونسبت الصحيفة لخبراء الاقتصاد والمسؤولين السابقين، أن هناك اعترافًا متزايدًا بحدود الوضع الاقتصادي المحلي الحالي، والذي لا يمكن تخفيفه من خلال صفقات تجارية جديدة وحدها.

ورغم ارتفاع عائدات النفط والغاز بشكل طفيف في يوليو، بسبب المدفوعات الفصلية لمرة واحدة، فإن الإيرادات الأساسية تظل منخفضة، ومن المتوقع الآن أن تنهي روسيا العام بعجز في الميزانية أكبر بكثير من المخطط له، وفق الصحيفة التي ترى أن هذا العجز يشكل عبئًا ثقيلًا على الحكومة، التي تستعد لتقديم ميزانيتها لعام 2026 في منتصف سبتمبر المقبل.

في النصف الأول من عام 2025، سيصل العجز في الميزانية إلى 4.9 تريليون روبل (61 مليار دولار) -نحو 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي- مقارنة بالهدف الأولي البالغ 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لبوتين.

ومؤخرًا، قال وزير المالية أنطون سيلوانوف لبوتين، إن الحكومة تبحث عن "موارد مالية" للوفاء بجميع التزاماتها الضرورية، وفقًا لبيان الكرملين.

من المرجح أن تستهدف التخفيضات الطفيفة في الإنفاق في الميزانية مشروعات البنية التحتية غير العسكرية ودعم القطاعات غير الأساسية، مثل أندية كرة القدم والمصحات التي تعاني من خسائر مالية.

ويمكن لروسيا توفير تريليوني روبل (2.5 مليار دولار) إذا مضت في هذا الاتجاه، وفقًا لأناتولي أرتامونوف، رئيس لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ بالبرلمان.

ويثق خبراء الاقتصاد في قدرة روسيا على تغطية الفجوة المتبقية من خلال الاقتراض، وهو ما أصبح الآن أقل تكلفة في الخدمة بعد أن بدأ البنك المركزي في يونيو خفض أسعار الفائدة من مستوى قياسي بلغ 21% إلى 18%.

يبدو أن هذا هو الخيار الذي يفضله بوتين، إذ صرح في منتدى اقتصادي عقد في مدينة فلاديفوستوك في أقصى شرق روسيا، أمس الأول الجمعة: "يمكن زيادة العجز لأن عبء ديون روسيا لا يزال ليس مقبولًا فحسب، بل منخفضًا أيضًا".

وحسب فايننشال تايمز، يمكن لروسيا أيضًا اللجوء إلى السحب من صندوقها الاحتياطي، وهو خيار أقل جاذبية نظرًا لأن موسكو أنفقت نصفه على الحرب، ولا تزال أصولها في الخارج مجمدة بسبب العقوبات الغربية.

تنازلات حقيقية

ونقلت الصحيفة عن جانيس كلوج، الخبير في الاقتصاد الروسي بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: "في عام 2025، سنواجه تحديات لم نكن نواجهها من قبل.. ولأول مرة، نواجه تنازلات حقيقية في الميزانية".

في حين أن الإيرادات غير النفطية سترتفع بنسبة 14% على أساس سنوي بحلول عام 2025، إلا أن عجز الموازنة سيظل يتسع مع قفزة الإنفاق بشكل كبير، وصرح مسؤول حكومي كبير سابق لفايننشال تايمز: "في بعض الأشهر، تضاعفت النفقات، بل تضاعفت ثلاث مرات.. إنها إستراتيجية محفوفة بالمخاطر".

وتشمل المشكلات التي تتراكم منذ عام 2022، نقصًا حادًا في العمالة، وصعوبات في الدفع عبر الحدود بعد فرض العقوبات الغربية، والتضخم الجامح.

في بعض القطاعات، تفاقمت الضغوط الاقتصادية بسبب تحديات خاصة بكل قطاع، فمع إرهاق البنية التحتية للسكك الحديدية وتوجيه تدفقات التجارة شرقًا، تعاني صناعة الفحم في روسيا من أسوأ خسائرها منذ تسعينيات القرن الماضي.

وزاد الروبل القوي، الذي ارتفع بنحو 20% مقابل الدولار الأمريكي منذ يناير، من حدة الضغوط، إلا أن إضعاف العملة لتعزيز إيرادات الميزانية من شأنه أن يفاقم التضخم، وهي مشكلة لم تتمكن السلطات الروسية من السيطرة عليها إلا مؤخرًا.

أدى قرار البنك المركزي بالإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة إلى انخفاض التضخم إلى ما دون 9% على أساس سنوي في يوليو، بعد أن تجاوز 17.8% في أبريل 2022، لكنه أثار أيضًا غضب الشركات، التي عانت من ارتفاع تكاليف الاقتراض، وأصبح أحد عوامل التباطؤ الاقتصادي.

كل شيء من أجل النصر

ورغم الضغوط المتزايدة، تمسكت السلطات الروسية بنهج "كل شيء من أجل الجبهة، كل شيء من أجل النصر" الذي ساد في عهد جوزيف ستالين، حيث تضاعف الإنفاق في زمن الحرب تقريبًا من حيث القيمة الاسمية منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

ويرى مراقبو الكرملين أنه حتى لو توصلت موسكو وكييف إلى هدنة، فإن عقلية الإنفاق هذه لن تتغير بالضرورة بين عشية وضحاها.

وأشار كلوج إلى أن روسيا استنفدت احتياطياتها من المركبات المدرعة خلال الحرب لدرجة أن مصانع الدبابات في البلاد ستحتاج إلى العمل بكامل طاقتها "لسنوات عديدة" لتجديد الإمدادات.

وافق المسؤول الكبير السابق على ذلك، وقال: "في نهاية المطاف، سيتعين على الدولة إعادة توازن بعض برامج الاستثمار". وأضاف أن "وقف إطلاق النار لن يؤدي إلى وقف الإنتاج العسكري بشكل قاطع أو إلى تقليص كبير في عدد الجيش.. ستستمر المصانع في العمل".