الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فقر فني أم تجديد معاصر؟.. جدل حول إعادة إنتاج الأفلام القديمة

  • مشاركة :
post-title
فيلم تيتو

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

تشهد السينما المصرية في السنوات الأخيرة عودة لافتة لبعض الأعمال القديمة التي شكّلت وجدان الجمهور، وذلك عبر تقديم أجزاء جديدة بعد مرور أكثر من عقد أو عقدين على صدور نسخها الأولى، هذه العودة تعكس حنينًا واضحًا إلى الماضي، لكنها في الوقت نفسه تحمل مغامرة فنية محفوفة بالمخاطر، خصوصًا في ظل ارتفاع سقف التوقعات لدى الجمهور وتغير الظروف الاجتماعية والثقافية التي أنتجت فيها هذه الأفلام سابقًا.

ما بين الحنين والمخاطرة

لا تزال أفلام مثل "مافيا، وتيتو، والسلم والثعبان" محفورة في ذاكرة الجمهور، الذي توحّد مع شخصياتها وأحداثها، وظل يعيد مشاهدتها دون ملل رغم تكرارها. هذا الارتباط الوجداني دفع صنّاع السينما إلى إعادة طرحها بشكل معاصر، مع وعود بمفاجآت جديدة تضيف لما سبق.

غير أن التساؤلات تظل مطروحة: ما الذي يدفع المخرجين والمنتجين للعودة إلى دفاتر الماضي؟.. هل هو مجرد حنين.. أو غياب أفكار جديدة؟ وهل تمثل هذه الخطوة تطورًا طبيعيًا.. أو مجرد رهان تجاري على نجاح قديم؟

فيلم مافيا
المعيار الأساسي لنجاح العودة

ترى الناقدة المصرية ماجدة موريس أن الحكم على هذه التجارب يتوقف على مدى ارتباط القصة بواقع الناس اليوم، قائلة: "إذا كانت القصة الأصلية لا تزال تلامس قضايا حقيقية في حياة الناس كصراعات الميراث، وخلافات الأشقاء، وحقوق المرأة، فليس هناك ما يمنع من إعادة تقديمها بشكل معاصر يواكب التغيرات الاجتماعية ويفتح باب التواصل مع الأجيال الجديدة، فهذه موضوعات لا تموت، لأنها ببساطة تمس جوهر المجتمع، وتظل صالحة للطرح مهما تغير الزمن".

لكنها في المقابل تحذر من تكرار الأعمال القديمة دون مبرر، معتبرة ذلك "نوعًا من الكسل الفني"، مضيفة: "إذا كانت القصة الأصلية قد انتهت تمامًا، ولم تعد لها جذور في الواقع المعاصر، فإن العودة إليها مجددًا مجرد اقتباس بلا روح، يعكس فقرًا في الخيال، وغيابًا للرؤية، بل وقد يكون محاولة للهروب من الإبداع الحقيقي وهذا في رأيي لا يعد تجديدًا، بل هو استسهال وركون إلى ما هو مضمون أو يبدو كذلك دون ضمان حقيقي للنجاح".

واختتمت "موريس": "بالتأكيد لدينا من الروايات والقصص ما يكفي لإنتاج مئات الأعمال الجديدة القادرة على مخاطبة المجتمع، شرط أن يتحلى صنّاع السينما بالشجاعة والخيال، وأن يقدموا شيئًا مختلفًا فعلًا لا مجرد استنساخ لأمجاد مضت".

فيلم السلم والتعبان
الحنين وحده لا يكفي

أما الناقد المصري عصام زكريا، فيرى أن الظاهرة ليست سلبية في المطلق لكنها "رهان محفوف بالمخاطر"، مشددًا على أن النجاح يتطلب رؤية جديدة ومعالجة مبتكرة، وقال: "النجاح لا يتحقق بمجرد استغلال شهرة عمل سابق، بل يتطلب رؤية جديدة ومعالجة مبتكرة تتناسب مع تطور ذائقة الجمهور".

ويؤكد "زكريا" أن بعض القصص الكلاسيكية تصلح لإعادة التناول لكونها إنسانية وعابرة للأزمنة، لكن الفيصل يكمن في الكيفية، قائلًا: "لناس في البداية سيكون لديهم فضول، لكنهم سينفرون إذا شعروا أن العمل لا يقدم جديدًا".

وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة، أوضح "زكريا" أن هناك عدة دوافع أبرزها: محاكاة السينما الأمريكية التي اعتادت إنتاج سلاسل طويلة من الأفلام الناجحة، ورغبة بعض النجوم في استعادة أمجاد سابقة، إضافة إلى قابلية بعض القصص لإعادة التدوير واستغلال شعور الحنين لدى الجمهور.

واختتم زكريا حديثه قائلًا: "إعادة إنتاج الأعمال القديمة ليست خطأ في حد ذاتها، بل قد تكون خطوة ناجحة إذا ما توفرت لها عناصر الإبداع والمعالجة المعاصرة، محذرًا في الوقت ذاته من الوقوع في فخ الاتكاء على الماضي دون تقديم قيمة فنية حقيقية".

فيلم السلم والتعبان 2
النجاح لا يُقاس بالنوستالجيا

فيما يرى الناقد المصري طارق الشناوي أن مجرد الاعتماد على الاستثمار التجاري في نجاح فيلم سابق ليس كافيًا لضمان نجاح جزء ثانٍ منه، مؤكدًا أن العبرة الحقيقية تكمن في توفر المقومات الفنية والدرامية التي تبرر العودة وتمنحها شرعية إبداعية.

وأوضح لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن إنتاج جزء ثانٍ لأي عمل فني ليس مرفوضًا من حيث المبدأ، لكنه مشروط بوجود مادة درامية قوية تسمح بامتداد الحكاية، وبناء منطقي للأحداث، يواكب المتغيرات الزمنية والثقافية.

وقال الشناوي: "ليس هناك ما يمنع من تقديم جزء ثانٍ، لكن بشرط أن يمتلك صنّاع العمل مادة درامية حقيقية، وبنية سردية متماسكة، وقدرة على التقاط تفاصيل الواقع الجديد، سواء على مستوى المفردات أو الأسلوب البصري والتنفيذي، لا يمكن تكرار الماضي بنفس لغته، بل يجب أن يحمل الجزء الثاني لمسة عصرية، وأن يستفيد من الخبرات التراكمية التي اكتسبها الفنانون والمؤلفون والمخرجون".

وأكد أن الحكم على مثل هذه التجارب لا يجب أن يكون مسبقًا، بل من الضروري منحها فرصة كاملة لتُعرض وتُقيَّم بناءً على جودتها ومدى قدرتها على مخاطبة جمهور اليوم.

ويختم "الشناوي" حديثه بالتشديد على أن النجاح الفني لا يُقاس بالنوستالجيا فقط، بل بمدى إبداع الصياغة الجديدة، واستثمار الخبرات المتراكمة لصناعة عمل يتفوق أو على الأقل يوازي سابقه، مضيفًا: "لا توجد وصفة سحرية، ولا حكم مطلق.. علينا أن ننتظر التجربة، ثم نقيّمها بإنصاف".