في مشهد يعكس حيوية المقاصد السياحية المصرية وقدرتها على احتضان ثقافات العالم، تحوَّلت شواطئ مدينة مرسى علم المصرية، إحدى أبرز جواهر البحر الأحمر، إلى قطعة من إيطاليا، حيث احتفل مئات السياح الإيطاليين بعيد "فيراجوستو"، أحد أقدس أعيادهم الوطنية وذروة موسم العطلات الصيفية.
لم تكن الاحتفالات مجرد فعاليات ترفيهية، بل كانت جسرًا ثقافيًا حيًا، إذ تحولت الشواطئ إلى مسرح مفتوح امتزجت فيه الألوان الزاهية للفواكه الموسمية مع الموسيقى والعروض الفنية التي قدمتها فرق الترفيه بالفنادق، وانطلقت "مهرجانات الفواكه"، وهي تقليد إيطالي أصيل في هذا اليوم، وقُدمت أهرامات من البطيخ والمانجو والفواكه الموسمية المصرية، وسط تفاعل لافت ومشاركة من العاملين المصريين الذين رحبوا بضيوفهم وشاركوهم فرحتهم.
"فيراجوستو" العيد الذي يعود اسمه إلى "Feriae Augusti" أسسسه الإمبراطور الروماني أغسطس في عام 18 قبل الميلاد كفترة راحة للمزارعين بعد انتهاء موسم الحصاد الشاق، وعلى مرِّ القرون اكتسب العيد بعدًا روحانيًا عميقًا في التقاليد الكاثوليكية، إذ يتزامن مع عيد "انتقال السيدة العذراء إلى السماء"، ما يجعله عطلة تجمع بين الإرث الإمبراطوري والقداسة الدينية والتقاليد الشعبية.
ولا يقتصر "فيراجوستو"، الذي يوافق 15 أغسطس، على كونه عطلة صيفية، بل هو إرث تاريخي يعود بجذوره إلى الإمبراطورية الرومانية، حيث تفرغ المدن الكبرى من سكانها الذين يهاجرون إلى الشواطئ والجبال، واختيار آلاف منهم الاحتفال بهذه المناسبة الخاصة في مصر يحمل دلالات اقتصادية وثقافية بالغة الأهمية .
يعد قطاع السياحة أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد المصري، فإن هذا الإقبال الكثيف من السوق الإيطالية يمثل أكثر من مجرد نجاح لموسم الصيف، وشهادة ثقة في استقرار المقصد السياحي المصري وقدرته على المنافسة عالميًا، فالسوق الإيطالية الذي شهدت بعض التحديات في السنوات الماضية، تعود بقوة لتؤكد أن روابطها بمصر، وخصوصًا بمنطقة البحر الأحمر، راسخة تتجاوز أي متغيرات بالمنطقة.
يؤكد خبراء السياحة أن هذا المشهد هو نتاج استراتيجية متكاملة تهدف إلى تنويع المنتج السياحي وتقديم تجارب مخصصة تلبي تطلعات الأسواق المختلفة. فالاحتفاء بثقافة السائح وتقديرها هو أحد أشكال "الدبلوماسية الناعمة" التي تتقنها مصر، والتي تساهم في بناء علاقات مستدامة لا تقتصر على المعاملات التجارية.
هذا الاحتفال في قلب مصر ليس مجرد دليل على نجاح الموسم السياحي، بل هو رسالة تؤكد على أن مصر كانت ولا تزال ملتقى للحضارات ونقطة تلاقٍ عالمية، توفر لزائريها من كل أنحاء الارض ليس فقط جمال الطبيعة وعمق التاريخ، بل أيضًا تجربة إنسانية دافئة وثرية، قادرة على احتضان ثقافات العالم.