الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المُلهم.. رحلة محمد صلاح من ريف مصر إلى ملك ليفربول

  • مشاركة :
post-title
محمد صلاح

القاهرة الإخبارية - محمد عمران

كلما دخلتُ إلى هنا، لا يسعني إلا أن أتذكر كيف كان يتحرك وكيف كان يتحكم بالكرة، كان شيئًا مختلفًا تمامًا.. هكذا قال غمري عبد الحميد السعدني، أحد أوائل مدربي محمد صلاح، في قرية نجريج _ إحدى قرى مركز بسيون التابع لمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية_ مسقط رأس اللاعب، حيث من هنا بدأت مسيرة أحد أبرز المهاجمين في العالم، الذي قاد ليفربول إلى لقب الدوري الإنجليزي الممتاز في مايو الماضي.

كان ذلك في شوارع نجريج حيث كان صلاح البالغ من العمر سبع سنوات، يلعب كرة القدم مع أصدقائه، متظاهرًا بأنه مهاجم البرازيل رونالدو، أو صانع الألعاب الفرنسي الأسطوري زين الدين زيدان، أو المايسترو الإيطالي فرانشيسكو توتي.

وقال "السعدني" في تصريحات نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي سبورت": "كان محمد قصير القامة مقارنة بزملائه في الفريق، لكنه كان يفعل أشياء لم يتمكن حتى الأولاد الأكبر سنًا من القيام بها، كانت تسديداته قوية بشكل لا يصدق، وكان من الواضح أنه يتمتع بالإصرار والرغبة في الفوز".

وأضاف: "في مراهقته، بدأ صلاح رحلته الطويلة نحو الذهاب إلى نادي المقاولون العرب، حيث كانت رحلة شاقة ومكلفة للغاية".

وأكمل: "كان يعتمد على نفسه ويسافر وحيدًا معظم الوقت، كان طفلًا يغادر قريته الساعة العاشرة صباحًا ولا يعود إلا في منتصف الليل، وهذه الرحلة تتطلب شخصًا قويًا، فقط من لديه هدف واضح يستطيع تحمّل هذا العبء".

وتابع: "كان يقفز في الحافلة، ويتجه نحو مدينة تسمى بسيون، المحطة الأولى في رحلة صلاح المعتادة إلى القاهرة، ثم يستقل حافلة أخرى إلى طنطا، قبل أن يغير الحافلة مرة أخرى ليصل إلى محطة رمسيس في القاهرة، حيث يكون هناك تغيير آخر قبل أن يصل إلى وجهته أخيرًا".

جدارية لصلاح خارج مقهى في القاهرة

ويستعد صلاح لبدء موسمه التاسع مع ليفربول، بعدما سجّل 245 هدفًا في 402 مباراة بالدوري والكأس منذ انضمامه في عام 2017.

فاز أول نجم عالمي لكرة القدم في مصر بكل الألقاب المحلية، إضافة إلى لقب دوري أبطال أوروبا مع ليفربول، لكن ينقصه التتويج ببطولة مع منتخب مصر.

ومع اقتراب بطولة كأس الأمم الإفريقية في ديسمبر المقبل وكأس العالم 2026، زارت "بي بي سي سبورت" مصر لاكتشاف ما يعنيه صلاح لشعبه، التي يعشق سكانها كرة القدم، وكيف أصبح صبي صغير من بدايات متواضعة رمزًا وطنيًا، مع العلم بأنه لم ينحدر من طبقة مرموقة، بل بذل جهدًا كبيرًا وضحى بالكثير ليصل إلى ما هو عليه الآن، ولدرجة أن الكثير منا يرى نفسه فيه.

محمد صلاح بعلم مصر

"كل الأطفال عايزين يكونوا صلاح"

تقع قرية نجريج الصغيرة وسط حقول خضراء واسعة، مزروعة بالياسمين والبطيخ، هذا هو المكان الذي قضى فيه أحد أفضل المهاجمين وأكثرهم غزارة في العالم، والمعروف باسم "الملك المصري"، سنواته الأولى.

ويضيف "السعدني" الذي يصف نفسه بأنه مدرب صلاح الأول بعد أن رعاه عندما كان في الثامنة من عمره: "عائلة صلاح هي الأساس والسر وراء نجاحه، وما زالوا يعيشون هنا بتواضع وقيم واحترام، وهذا أحد أسباب حب الناس لهم".

وأكمل: "لقد قدمت عائلة صلاح الكثير من التضحيات عندما كان صغيرًا، ولقد قدموا له دعمًا كبيرًا منذ البداية، وخاصة والده وعمه، الذي يشغل منصب رئيس هذا المركز".

تنتشر بصمة صلاح في كل مكان في نجريج، حيث يركض الأطفال وهم يرتدون قمصان ليفربول ومصر التي تحمل اسم اللاعب ورقمه على ظهرها.

ويعتقد هاني رمزي، المدرب الذي منح محمد صلاح فرصته الدولية الأولى، أن مثل هذه التجارب ساعدت في تزويد اللاعب بالعقلية اللازمة للنجاح على أعلى مستوى، وقال: "البدء كلاعب كرة قدم هنا في مصر أمر صعب للغاية، إن لعب صلاح على أعلى مستوى والبقاء في أعلى مستوى لسنوات عديدة كان له تأثير بنسبة 100% على هذا، لأن هذا النوع من الحياة يبني لاعبين أقوياء".

وقال ضياء السيد، أحد المدربين الأكثر تأثيرًا في مسيرة صلاح المبكرة، حيث كان مدرب المنتخب المصري في كأس العالم للشباب تحت 20 عامًا 2011 في كولومبيا، حيث ترك صلاح بصمته الأولى على الساحة العالمية: "كان الاستعداد للبطولة صعبًا بالنسبة لنا، وانضم إلينا صلاح، وأول ما لفت انتباهنا سرعته وتركيزه الدائم، ولقد حقق إنجازات كبيرة بفضل استماعه الجيد، دون جدال مع أحد، بل يستمع ويعمل باستمرار، يستمع ويعمل.. إنه يستحق ما حصل عليه".

ويتذكر ضياء السيد أنه طلب من محمد صلاح أن يبتعد عن منطقة جزاء المنتخب ويركّز فقط على الهجوم، ثم ضد الأرجنتين، لقد عاد للدفاع في منطقة الـ18 ياردة وتسبب في ركلة جزاء، وقلت له: "لا تدافع، لماذا أنت في منطقتنا؟ لا تستطيع الدفاع".

وتابع: "بعد فوز ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، سمعته يقول إن آرني سلوت ينصحه بعدم الدفاع، لكنني كنت أول مدرب ينصحه بعدم الدفاع".

محمد صلاح

أعظم سفير لمصر

لعب صلاح مع المنتخب الأول لمدة 14 عامًا، وأهميته لمصر كبيرة، حيث يتذكر الدكتور محمد عبود، طبيب المنتخب الوطني، عندما تعرّض صلاح لإصابة خطيرة في الكتف خلال هزيمة ليفربول أمام ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا 2018، ما أثار تكهنات بأنه قد يغيب عن كأس العالم في روسيا بعد بضعة أسابيع: "حتى إنني تلقيت اتصالات من وزير الصحة المصري، قلت له لا داعي للذعر، كل شيء يسير على ما يرام".

ويضيف الدكتور عبود: "كنت أصغر سنًا، وكان الضغط من داخل البلاد شديدًا، وتلقيتُ اتصالات من كثيرين يحاولون المساعدة، أخبرني أحد أعضاء مجلس إدارتنا أنني أصبحتُ الآن من أهمّ الشخصيات في العالم أجمع، ولقد غيّرني هذا الوضع كشخص".

بينما قال محمود فايز، مساعد مدرب مصر السابق: "سجل محمد صلاح ركلة جزاء دراماتيكية في الدقيقة 95 ضد الكونغو، ليضمن فوز مصر 2-1 ويحجز مكان مصر في كأس العالم، لأول مرة منذ 28 عامًا، ولقد استمعت إلى الصمت عندما سجّل الكونغو هدف التعادل أمام 75 ألف مُشجع وصمت في كل مكان، ثم جاءت ركلة الجزاء التي حوّلت صلاح إلى بطل قومي".

وأوضح: "لقد واجه لاعبٌ واحدٌ أصعب وأقسى لحظة، ركلة جزاء في الدقيقة 95، كان على صلاح أن يُسجلها، سجّل هدفًا وجعلنا جميعًا فخورين، وفي غرفة الملابس، بعد ذلك، بدأ بالرقص، وعانق الجميع، وكان يصرخ، لقد فعلناها، لقد فعلناها، بعد 28 عامًا، فعلناها".

محمد صلاح

رد الجميل

بالعودة إلى نجريج، نلتقي برشيدة، سيدة سبعينية تبيع الخضراوات في بسطة صغيرة، وتروي كيف غيّر صلاح حياتها وحياة مئات الأشخاص في القرية التي وُلد ونشأ فيها قالت: "محمد رجل طيب، إنه محترم ولطيف، وهو بمثابة أخ لنا".

وقال حسن بكر من مؤسسة محمد صلاح الخيرية: "الهدف هو مساعدة الأيتام، والنساء المطلقات والأرامل، والفقراء، والمرضى، ونقدم دعمًا شهريًا ووجبات وصناديق غذائية في الأعياد والمناسبات الخاصة، وعلى سبيل المثال، مع رشيدة هناك مبلغ إضافي للمعاش التقاعدي الذي تتلقاه الأرملة".

وأضاف: "عندما يكون محمد هنا، يبقى متواضعًا، يتجول بملابس عادية، لا يتباهى أبدًا، ويحبه الناس لتواضعه ولطفه، وبالإضافة إلى الأعمال الخيرية التي تساعد أشخاصًا مثل رشيدة، قام صلاح بتمويل مكتب بريد جديد لخدمة المجتمع المحلي، ووحدة إسعاف، ومعهد ديني، وتبرع بأرض لمحطة صرف صحي، من بين مشاريع أخرى".

وقال أحمد حسام ميدو: "محمد صلاح ترك إرثًا عظيمًا، إنه أعظم لاعب كرة قدم مصري في تاريخنا، ولا يحتاج لإثبات أي شيء لأحد، فهو أسطورة ليفربول وأسطورة مصر".

محمد صلاح يلتقط صورة سيلفي مع جماهير ليفربول