في مشهد غير مألوف على الساحة الدولية، تتوالى قرارات اقتصادية وعسكرية من دول أوروبية كبرى، تستهدف بشكل مباشر علاقة الشراكة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. فبينما يشتعل الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية، أعلنت النرويج وألمانيا وبريطانيا عن خطوات غير مسبوقة، تتراوح بين إنهاء الاستثمارات ووقف صادرات السلاح، في رسالة واضحة تعكس تصاعد الضغوط الغربية على تل أبيب، وتبدل نبرة الحلفاء التقليديين تحت وطأة الأزمة الإنسانية المتفاقمة والمأساة التي يشهدها العالم أجمع داخل قطاع غزة، من قتل وتجويع بقصد الإبادة الجماعية على يد قوات الاحتلال.
النرويج تنهي عقود إدارة الأصول الإسرائيلية
في خطوة لافتة على الساحة الاقتصادية العالمية، أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي، اليوم الاثنين، عن إنهاء جميع العقود مع شركات إدارة الأصول التي تتعامل مع استثماراته الإسرائيلية.
الصندوق، الذي تصل قيمته إلى تريليوني دولار، أوضح في بيان رسمي أنه تخلّى عن بعض استثماراته في إسرائيل بسبب الوضع في غزة والضفة الغربية، معلنًا بيع حصصه في 11 شركة إسرائيلية، وفقًا لما ذكرته "رويترز".
ألمانيا توقف صادرات السلاح لإسرائيل
وفي سياق متصل، أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرز، أمس الأحد، أن قرار برلين وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل هو رد على خطة إسرائيل بتوسيع عملياتها في قطاع غزة.
وأضاف المستشار الألماني، في مقابلة مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية (إيه.آر.دي): "لا يمكننا تقديم أسلحة في صراع يجري الآن بالوسائل العسكرية فقط، ونريد المساعدة دبلوماسيًا، ونحن نقوم بذلك"، وفقًا لـ"رويترز".
وقال ميرز في المقابلة، إن توسيع نطاق العمليات الإسرائيلية في غزة قد يودي بحياة مئات الآلاف من المدنيين، وسيتطلب إخلاء مدينة غزة بأكملها.
وأضاف متسائلًا: "إلى أين من المفترض أن يذهب هؤلاء الناس؟ لا يمكننا أن نفعل ذلك، ولن نفعل ذلك، ولن أفعل ذلك".
ومع ذلك، قال المستشار إن مبادئ سياسة ألمانيا تجاه إسرائيل لم تتغير، وأكد قائلاً: "تقف ألمانيا بحزم إلى جانب إسرائيل منذ 80 عامًا، وهذا لن يتغير".
بريطانيا تعلق بيع مكونات أسلحة تستخدم في غزة
أما بريطانيا، فقد سبقت خطوتها ألمانيا بعد أشهر، إذ أعلنت أواخر عام 2024 عن تعليق بيع مجموعة من مكونات الأسلحة التي تُستخدم في غزة.
جاء إعلان بريطانيا تعليق بيع مجموعة من مكونات الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في غزة بعد مظاهرات حاشدة أعاقت العديد من مصانع الأسلحة عن العمل، وإضرابات واحتجاجات داخل وزارة التجارة وبالتحديد في أقسام تتعلق بتراخيص الأسلحة، حيث نادى الموظفون بضرورة وقف تصدير السلاح إلى إسرائيل.
وكان وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أعلن آنذاك، أن 30 رخصة تصدير ستُعلق فورًا، وتشمل هذه الرخص أجزاء لطائرات مقاتلة، مروحيات وطائرات مسيّرة.
ضغط متزايد وعزلة متنامية
تعكس هذه القرارات الأوروبية المتتابعة تحولًا ملموسًا في مواقف بعض القوى الغربية تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، على خلفية الأزمة الإنسانية في غزة. وبينما كانت تل أبيب تحظى سابقًا بدعم غير مشروط من حلفائها، يبدو أن صور الدمار ومعاناة المدنيين، بدأت تحدث شرخًا في هذا الموقف، فاتحة الباب أمام موجة من الضغوط السياسية والاقتصادية قد تعيد رسم ملامح الدعم الدولي لها.
فالسؤال الذي سيظل مفتوحًا هو: هل تعلن دول أخرى عدم دعم إسرائيل؟ وهل من الممكن أن تنضم أكبر قوة داعمة لإسرائيل، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، إلى صفوف تلك الدول؟ وهو بالطبع أمر يستحيل تحققه، ولكن في عالم السياسة، لا أحد يتوقع ماذا سيحدث!