فجرت خطة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتوسيع الهجوم على غزة، ووضعها تحت السيطرة، وإعادة احتلال القطاع بأكمله الذي يسكنه 2.1 مليون فلسطيني، خلافًا استثنائيًا بين بنيامين نتنياهو ورئيس أركانه إيال زامير، وفق ما أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وقال وزراء الحكومة علنًا إن الجيش عليه أن يطيع أوامرهم، وأصدر "زامير" بيانًا مقتضبًا وصف فيه الخلاف بأنه "جزء لا يتجزأ من تاريخ الشعب اليهودي"، حتى إن ابن نتنياهو اتهم رئيس أركان الجيش بمحاولة "انقلاب".
في نهاية المطاف، وبعد اجتماع ساخن استمر 10 ساعات لمجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي انتهى فجر أمس الجمعة، أصدر نتنياهو أوامره للقوات الإسرائيلية "بالاستعداد" لاجتياح مدينة غزة، على الرغم من تحذيرات الجيش من أن هذا من شأنه أن يرهق جيشًا منهكًا بالأساس ويعرض حياة المحتجزين الإسرائيليين للخطر.
أما بالنسبة للبديل الأضيق الذي طرحه زامير وجيش الاحتلال، فقد رفضه مكتب نتنياهو واعتبره استسلامًا، ووصفه بأنه خيار "لن يحقق هزيمة حماس ولا إعادة المحتجزين".
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتناوش فيها القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون علنًا، فقد أمضى مناحيم بيجن 45 دقيقة يقنع قائد لواء رفض غزو بيروت الغربية عام 1982، ليرد القائد: "أرى أطفالًا"، قبل أن يقيله رئيس الوزراء من منصبه.
وقاوم الجيش الإسرائيلي في السابق أيضًا مطالب الزعماء السياسيين، بما في ذلك دعوة حكومة أرييل شارون لاجتياح غزة خلال الانتفاضة الثانية في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وخطة نتنياهو لشن هجوم كبير على المنشآت النووية الإيرانية قبل أكثر من عقد من الزمان.
ولكن في وقت تزداد فيه العزلة الدولية بسبب سلوك إسرائيل في حربها التي استمرت 22 شهرًا في غزة، فإن هذا الخلاف الأخير يهدد بتعميق الانقسامات الداخلية، وتقويض الثقة في مؤسسات البلاد بشكل أكبر مع سعي نتنياهو إلى نشر الجيش الإسرائيلي بما يتناسب مع مكاسبه السياسية.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير سابق، إن السياسيين "كانوا يستمعون إلى الجيش.. لقد تغيرت الأمور في إسرائيل منذ تلك الأيام.. كان هناك تراجع كبير في السياسة آنذاك.. وفي ظل هذه الحكومة تجري تغييرات جذرية".
في كثير من الأحيان، تتحول اجتماعات مجلس الوزراء إلى مباريات صاخبة، إذ يتهم الوزراء المتشددون بعضهم البعض والعسكريين بالهزيمة والخيانة، في حين يقومون بتسريب المحادثات الخاصة لتحقيق مكاسب سياسية.
ولكن الاتهامات المتبادلة وانهيار الثقة التي أعقبت الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، تضخمت بسبب الانقسامات السياسية في إسرائيل، وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي -الذي يشغل منصبه منذ فترة طويلة- تحويل كل اللوم في الهجوم إلى رؤساء الأمن، بينما امتنع عن أي تعبير عن المسؤولية بنفسه.
وبحسب ما ورد، فإن مساعدي نتنياهو قاموا بتفتيش رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، الذي استقال في وقت لاحق بسبب إخفاقاته في 7 أكتوبر، بحثًا عن أجهزة تنصت قبل الدخول إلى الإحاطات الإعلامية، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ويزعم نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف في الحكومة، مرارًا وتكرارًا، أن أي وقف للصراع دون "النصر الكامل" على حماس سوف يضمن أن الأمر لن يكون سوى مسألة وقت قبل أن تطلق الحركة الفلسطينية مذبحة أخرى على غرار مذبحة 7 أكتوبر ضد الجمهور الإسرائيلي.
كما استغل حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف في الحكومة، اعتماد رئيس الوزراء السياسي عليهم للضغط على الجيش لاحتلال غزة وطرد الفلسطينيين وإعادة الاستيطان بالقطاع.
وينظر العديد من الجنرالات الإسرائيليين -سابقين وحاليين- إلى الأمور بشكل مختلف تمامًا، ففي وقت سابق من هذا الأسبوع وقَّع معظم القادة الإسرائيليين السابقين في الجيش والمخابرات، رسالة تؤكد أن حماس قوة منهكة، وأن إسرائيل الآن في وضع قوي بما يكفي لقبول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
ودعا زامير، الذي تولى منصبه في مارس، إلى خطة أطلق عليها أحد الصحفيين الإسرائيليين اسم "الحصار والاستنزاف"، حيث يحاصر الجيش الإسرائيلي الجيوب المتبقية التي تسيطر عليها حماس ويشن غارات وضربات مستهدفة.
وأجرى حلفاؤه إحاطة إعلامية إسرائيلية بشكل عدواني، وقدموا مقاومته لخطة نتنياهو كوسيلة لإنقاذ الجيش المنهك وتقليل الخطر على المحتجزين الإسرائيليين العشرين المتبقيين لدى حماس، وأضافوا أن هذا من شأنه أيضًا أن يُبقي احتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم مع جثث 30 محتجزًا آخرين.
وانتقد زامير مجلس الوزراء الأمني، قائلًا إنه إذا أصدروا الأمر للجيش الإسرائيلي بتنفيذ خطة نتنياهو، فيجب عليهم أن يفكروا في إزالة إطلاق سراح المحتجزين من أهداف حربهم، وفقًا لتسريبات في الصحف الإسرائيلية.
وهناك أيضًا بعض الهمهمات في الصحافة، والتي لم ينكرها زامير علنًا، مفادها أن رئيس الأركان قد يستقيل إذا أُمر باتخاذ إجراءات يعتبرها مخالفة للأمن القومي، وقال شخص مطلع على تفكير الحكومة: "عندما يكون هناك الكثير من العلاقات العامة والتسريبات المتعلقة بعملية ما، بما في ذلك الخلافات بين الحكومة والجيش، فأنت تعلم أن هناك اعتبارات سياسية أخرى تجري خلف الكواليس".
ونادرًا ما كان هذا القدر من المخاطر على المحك بالنسبة للفلسطينيين، الذين استُشهِد 60 ألفًا منهم بالفعل في الهجوم الإسرائيلي، وفقًا لمسؤولين محليين.
اجتياح مدينة غزة من شأنه أن يفرض تهجير ما يصل إلى مليون مدني، وكثير منهم نزحوا بالفعل عدة مرات، ويعمق الكارثة الإنسانية التي دفعت قسمًا كبيرًا من السكان إلى المجاعة.
وفي نهاية المطاف، قد لا يزال النزاع داخل إسرائيل بشأن الخطوات التالية في غزة بعيدًا عن الانتهاء، حيث لا يزال قرار بدء الهجوم على مدينة غزة على بعد أسابيع، وهو وقت كاف، كما زعم زوهار بالتي، المسؤول الكبير السابق في وزارة الدفاع والموساد، لكي يتمكن الجيش الإسرائيلي من تشكيل معالمه.
قال "بالتي" إن "توجيه الحكومة للجيش، مع التركيز على كلمة الاستعداد للاستلام، يمنح الوقت والمساحة للعديد من العوامل للتأثير على هذه الخطوة.. هناك وقت أمام الجيش للتأثير على القرار، وهناك وقت أمام المجتمع الدولي -مع التركيز على الولايات المتحدة والعالم العربي المعتدل- للتأثير، بما في ذلك تجديد المفاوضات بشأن صفقة".