كشف تحقيق استقصائي نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية عن زيارة وفد من العلماء النوويين الإيرانيين لمعاهد علمية روسية في أغسطس 2024، حيث التقوا بخبراء في تقنيات، يُمكن أن تكون لها تطبيقات في مجال الأسلحة النووية، وفقًا لما أشار إليه خبراء عدم الانتشار النووي الذين تحدثوا للصحيفة.
تفاصيل الرحلة
وصل الوفد الإيراني إلى مطار شيريميتيفو في موسكو، في الرابع من أغسطس الماضي، على متن طائرة تابعة لشركة "ماهان إير"، كما ضم الوفد خمسة أشخاص بقيادة علي كالفاند، العالم النووي البالغ من العمر 43 عامًا والحاصل على درجة في الفيزياء النووية من معهد كييف التقني، والذي يتحدث الروسية بطلاقة.
استخدم أعضاء الوفد جوازات سفر دبلوماسية، بعضها يحمل أرقامًا متسلسلة وصدرت قبل أسابيع قليلة من الرحلة، كما أشارت الوثائق التي اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز".
وشمل الوفد جواد قاسمي البالغ من العمر 48 عامًا، والذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة "بارادايس ميديكال بايونيرز" سابقًا، بالإضافة إلى روح الله عظيمي راد، الأستاذ المشارك في جامعة مالك أشتر للتكنولوجيا والمتخصص في اختبار الإشعاع والنقل.
كما ضم الوفد سروش محتشمي، العالم النووي المتخصص في مولدات النيوترون والمرتبط بجامعة أمير كبير للتكنولوجيا، وأمير يزديان البالغ من العمر 35 عامًا، والذي أكد مسؤولون غربيون للصحيفة أنه موظف في وزارة الدفاع الإيرانية يعمل في مجال الاستخبارات المضادة.
الغطاء الرسمي
قدم الوفد نفسه على أنه يمثل شركة "دامافاند تك"، وهي شركة استشارية علمية مدنية تأسست عام 2023 ومقرها طهران.
تصف الشركة نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها تمتلك "فريقًا ذا خبرة في مجال نقل التكنولوجيا"، وتهدف إلى "تطوير التواصل العلمي" بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية.
يرأس الشركة علي باكويي، الفيزيائي النووي البالغ من العمر 59 عامًا، والذي يتولى إدارة قسم الفيزياء الذرية والجزيئية في جامعة تربيت مدرس في طهران.
حصل باكويي على درجة الدكتوراه من جامعة موسكو الحكومية عام 2004 وشغل منصب المبعوث العلمي الإيراني إلى روسيا لاحقًا.
الزيارات للمعاهد الروسية
خلال إقامتهم لأربعة أيام في موسكو، زار الوفد الإيراني شركة "تكنو إكسبرت" التي يملكها العالم الروسي أوليج ماسلينيكوف البالغ من العمر 78 عامًا، بالإضافة إلى مؤسسة "توري" البحثية، التي تقع بالقرب من معهد "بوليوس" للعلوم والبحوث، وهو فرع من تكتل "روستيك" الحكومي.
أشار ديفيد ألبرايت، خبير البرنامج النووي الإيراني الذي يرأس معهد العلوم والأمن الدولي، إلى أن خبرة ماسلينيكوف مقترنة بخلفية "عظيمي راد" والعروض التقنية للشركات الروسية التي التقوا بها، تشير إلى أن الوفد ربما كان يسعى للحصول على معلومات متعلقة بأدوات التشخيص في اختبارات الأسلحة النووية.
تنتج شركة "توري" أنواعًا مختلفة من مضخمات الترددات الراديوية عالية الطاقة ومسرعات الإلكترونات، والتي يمكن استخدامها في أنظمة الأشعة السينية فائقة السرعة لالتقاط صور إشعاعية سريعة لقلب السلاح النووي أثناء محاكاة الانفجار.
طلب المواد المشعة
في مايو 2024، أرسل كالفاند رسالة باسم شركة "دامافاند تك" إلى شركة "ريتفيرك" الروسية المورّدة للنظائر النووية، معربًا عن اهتمام الشركة بالحصول على ثلاثة نظائر مشعة هي التريتيوم والسترونتيوم-90 والنيكل-63 لأغراض البحث، دون تحديد الكميات المطلوبة.
يخضع تصدير كل من هذه النظائر لرقابة صارمة، ويعتبر التريتيوم بشكل خاص مؤشرًا حساسًا في مجال عدم الانتشار النووي نظرًا لدوره في الأسلحة النووية، خاصة عندما يأتي الاهتمام به من جهات مرتبطة بالدفاع، أما في الكميات الكبيرة، يشكل مدخلًا أساسيًا في إنتاج رأس نووي حديث لأنه يتيح تضخيمًا هائلًا للقوة التفجيرية.
تقييمات المراقبين الدوليين
علق وليام ألبرك، الرئيس السابق لمركز الناتو لمكافحة الانتشار وأسلحة الدمار الشامل، بالقول: "عندما يطلب أي شخص التريتيوم أفترض تلقائيًا أنه لأغراض متعلقة بالأسلحة، وعندما تضع التريتيوم في الاعتبار مع مضخمات الترددات، فهذا مؤشر واضح".
من جانبه، قال إيان ستيوارت، المهندس النووي السابق في وزارة الدفاع البريطانية ورئيس مكتب واشنطن لمركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار: "بينما قد تكون هناك تفسيرات حميدة لهذه الزيارات، فإن مجموع المعلومات المتاحة يشير إلى احتمال سعي منظمة سبند الإيرانية، وهي وحدة بحثية عسكرية وصفتها الحكومة الأمريكية بأنها الخلف المباشر لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني قبل 2004، للحفاظ على خبراتها المتعلقة بالأسلحة النووية من خلال الاستفادة من الخبرة الروسية".
أما برانايي فادي، الذي شغل منصب المدير الأول لعدم الانتشار في مجلس الأمن القومي الأمريكي حتى يناير 2025، فقال: "من الملفت للنظر أن هذه الأنواع من الأشخاص يمكنها إجراء هذا النوع من الاجتماعات في روسيا، بغض النظر عما إذا كان الروس يتشاركون المكونات أو التكنولوجيا".
السياق الإقليمي
تشير الصحيفة البريطانية إلى أن هذه الزيارة جاءت في وقت كانت فيه الحكومات الغربية تلاحظ نمطًا من الأنشطة التي تثير الاهتمام من قبل العلماء الإيرانيين، بما في ذلك محاولات شراء تقنيات ذات صلة نووية من الخارج.
في يونيو الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استهداف "مقر مشروع سبند النووي" للمرة الثانية خلال النزاع الذي استمر 12 يومًا، مما أدى إلى مقتل أحد عشر عالمًا نوويًا، من بينهم فريدون عباسي داوني، المشرف المشارك على أطروحة الدكتوراه لمحتشمي عام 2023.