ضربت حرائق الغابات الأسوأ منذ عقدين مدينة ليماسول ثاني أكبر مدن قبرص هذا الشهر، مخلفة قتيلين وكاشفة عن فشل ذريع في أنظمة الاستجابة للطوارئ، وفقًا لصحيفة "بوليتيكو"، كما تأتي هذه الكارثة رغم تباهي الحكومة، مارس الماضي، بجاهزيتها التامة لمواجهة حرائق الغابات بـ11 طائرة و25 سيارة إطفاء جديدة وزيادة قوات الإطفاء بنسبة 27%.
فشل تقني وإداري
كشفت "بوليتيكو" أن نظام الإنذار المبكر فشل تمامًا عند اندلاع الحريق الضخم، إذ لم يتم تفعيل أي تحذيرات للسكان رغم ضرورة ذلك، والمشكلة الأساسية أن هذا النظام كان يحتاج لتحديث شامل منذ 2022 للامتثال لقوانين الاتحاد الأوروبي الجديدة، وكان من المفترض إنجاز هذا التحديث بحلول 2024، لكن ذلك لم يحدث مطلقًا.
وأوضح وزير الداخلية كونستانتينوس يوانو، لمحطة تلفزيونية محلية، أن الحكومة منحت العقد لشركة خاصة لتطوير النظام، لكن شركات أخرى تقدمت بطعون رسمية ضد هذا القرار أمام المحاكم، ما أجبر الحكومة على إلغاء العملية بالكامل، مايو 2024، والعودة للبداية مرة أخرى.
وأكد الوزير أن السلطات حاولت تسريع الإجراءات القانونية، بسبب المخاوف الأمنية، لكنها فشلت في تحقيق المعايير القانونية المطلوبة للمناقصة.
إخلاء مربك
شكا السكان المحليون من أن استراتيجية الإخلاء كانت مربكة ومتأخرة، وهو ما نفاه وزير الداخلية، مؤكدًا أن الخطط عملت بفعالية وتم إخلاء قرى عديدة، لكن خبراء مكافحة الحرائق، وفقًا لما أشارت "بوليتيكو"، انتقدوا بطء الحكومة في طلب المساعدة الأوروبية، رغم إرسال المفوضية الأوروبية والدول المجاورة طائرات لاحقًا.
وتفاقمت المشكلة بعدم انضمام قبرص لبرنامج "rescEU" الأوروبي لتخزين ومشاركة موارد الاستجابة للكوارث، بسبب خلافات سياسية بين الرئيس السابق نيكوس أناستاسياديس، ومفوض الاتحاد الأوروبي السابق خريستوس ستيليانيدس، منشئ البرنامج، كما انتقد البعض رفض الحكومة قبول المساعدة من الجزء التركي الشمالي للجزيرة.
تنسيق ضعيف
أشار خبراء سياسات مكافحة الحرائق، حسب "بوليتيكو"، إلى أن قبرص لم تطبق آليات مراقبة حرائق الغابات بشكل كافٍ.
وكشف تقرير لخبير الحرائق جافرييل كسانثوبولوس، أُعد في مارس، لكن كُشف عنه الأربعاء، عن حاجة البلاد لتحسين التعاون بين خدمة الإطفاء وقسم الغابات.
واعترف نيكوس لوجينوس، مدير خدمة الإطفاء القبرصية، للتلفزيون المحلي قائلًا: "نطلب المعذرة إذا لم نتمكن من الاستجابة لجميع الحوادث في الوقت نفسه، فمواردنا ليست لا نهائية".
ونفى المتحدث الحكومي كونستانتينوس ليتيمبيوتس، وجود أي إهمال، مؤكدًا أن "جميع الخطط والبروتوكولات المُعدة فُعلت في ظروف غير مسبوقة".
أزمة سياسية
اضطر الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، السياسي المحافظ الذي ترك حزب التجمع الديمقراطي عام 2023، للترشح كمستقل، للاعتذار على التلفزيون الوطني، قائلًا: "في لحظة حرجة كهذه، لم تستجب الحكومة كما كان يجب.. أعتذر"، ووعد بالتحقيق و"تحسين نقاط الضعف في النظام".
وطالب ستيفانوس ستيفانو، زعيم حزب الشعب التقدمي اليساري المعارض، باستقالة الحكومة لفشلها في أداء مسؤولياتها.
فيما اعتبرت أنيتا ديميتريو، رئيسة حزب التجمع الديمقراطي اليميني الوسط، أن اعتذار الرئيس "غير كافٍ".
ويتوقع أندرياس ثيوفانوس، أستاذ ورئيس المركز القبرصي للشؤون الأوروبية والدولية، "إعادة تشكيل عامة للحكومة خلال أسابيع قليلة ليكون هناك بداية جديدة".
تحديات مناخية
أوضح سافاس إيزيكيل، رئيس قسم الغابات القبرصي، أن البلاد تواجه ارتفاعًا في درجات الحرارة لثلاث سنوات متتالية مع ظروف جفاف مستمرة استنزفت احتياطيات المياه، ما يجعل مكافحة الحرائق صعبة للغاية.
وحذّر ثيودوروس زاخارياديس، مدير مركز أبحاث الطاقة والبيئة والمياه في معهد قبرص، من أن عدم اتخاذ إجراءات قد يكلف البلاد 18 مليار يورو بحلول 2050، مع ارتفاع أسعار الغذاء والكهرباء وانخفاض الإنتاجية وتراجع السياحة.
وأعلنت الحكومة بدء حملة لمساعدة المتضررين بمساعدات مالية فورية وتخصيص أموال لاستعادة البنية التحتية.
وأكدت الوزيرة ماريا باناجيوتو، وزيرة التنمية الريفية والبيئة، لـ"بوليتيكو"، أن قسم الغابات يضم الآن أكبر قوة عاملة منذ سنوات مع معدات حماية إضافية، وأن الحكومة تتخذ خطوات وقائية جديدة كالرعي والحرق المُتحكم فيه لأول مرة.