بسرّ الصنعة ووهج الصورة، جاء مدير التصوير المصري سمير فرج ليكتب اسمه في تاريخ السينما المصرية كعينٍ ثاقبة ترى ما لا يُرى، وتصنع صورة تعيش في الذاكرة، لم يكن مجرد مدير تصوير، بل شاعرًا بالكاميرا، يحوّل الضوء إلى لغة، والظلّ إلى معنى، والمشهد إلى حياة، التقط بعدسته تفاصيل خفية، وقرأ وجوه النجوم كما تُقرأ القصائد، فصار شريكًا في صناعة لحظات لا تُنسى من ذاكرة السينما، على امتداد عقود، ظلّ سمير فرج وفيًّا لصورة نقيّة، ورؤية تؤمن أن الفن ليس مهنة، بل مصير.
في حوار امتزجت فيه مشاعر التقدير والامتنان، تحدّث سمير فرج إلى "القاهرة الإخبارية"، عقب فوزه بجائزة الدولة التقديرية لعام 2025، كاشفًا عن كواليس ترشّحه للجائزة، وأثر التكريم عليه نفسيًا ومهنيًا، كما استعاد محطات من مشواره الطويل مع رموز الفن المصري، إذ عمل مع الكبار مثل عادل إمام ونور الشريف وفاتن حمامة ورشدي أباظة وغيرهم، وبعد سنوات طويلة من العطاء لأكثر من 5 عقود من الزمن جاء تتويجه بهذه الجائزة التي تمثل شهادة تقدير لجيل آمن بالفن، وظل وفيًا له، وقدم إبداعًا لا يزال خالدًا في ذاكرة السينما المصرية.
دعم نقيب السينمائيين
استهل فرج حديثه بالإشادة بالدور الكبير، الذي قام به نقيب السينمائيين مسعد فودة في ترشيحه للجائزة، واصفًا إياه بصديق العمر، وقال: "الفضل الأول والأكبر في ترشيحي للجائزة يعود إلى الأستاذ مسعد فودة، فهو من رشحني، وهو من دافع عن ترشيحي داخل اللجان المختلفة، وبذل جهدًا حقيقيًا حتى وصلتني الجائزة، وهذا ليس بجديد عليه، فهو دائمًا ما يساند زملاءه من أبناء المهنة".
تقدير في توقيت ثمين
عبّر سمير فرج عن اعتزازه بتكريم الدولة له، معتبرًا أن الجائزة جاءت في توقيت بالغ الأهمية من عمره، وقال مبتسمًا: "أبلغ من العمر ما يقارب نحو 82 عامًا، وجاءت الجائزة في وقتٍ تؤكد فيه الدولة أنها لا تنسى أبناءها، وهذا تقدير له وقع نفسي عميق لديّ".
وأضاف أنه تلقى العديد من الاتصالات والتهاني من زملائه في الوسط الفني، ومن العاملين بغرفة صناعة السينما والنقابة، موضحًا: "شعرت أن الجميع يتحدث إليّ فجأة، بعد أن كنت أعيش بهدوء دون ضوضاء، إحساس أن هناك من لا يزال يقدّرك، وأنك لم تُنسَ، هو شعور رائع في هذا العمر".
أشار فرج إلى تلقيه اتصالًا هاتفيًا من المخرج الكبير محمد فاضل لتهنئته بالجائزة، معربًا عن سعادته بهذا التواصل، الذي يعكس، حسب قوله، استمرارية الود والاحترام بين أبناء الجيل الواحد، مضيفًا: "سعيد بأننا ما زلنا نحمل مشاعر التقدير الحقيقي لبعضنا البعض، وأن الحب الذي كان يجمعنا في العمل، لا يزال حاضرًا حتى اليوم".
ذكرياته مع الكبار
توقف سمير فرج عند أبرز أعماله السينمائية، مستذكرًا تعاونه مع الفنان الراحل أحمد زكي، وقال: "عملت معه في أفلام كثيرة مهمة، من أبرزها النمر والأنثى)، و(البيه البواب)، وغيرها، وكان بحق نجمًا يمتلك موهبة نادرة، وقادرًا على التنقل بين الكوميديا والدراما بإبداع استثنائي".
كما استعاد ذكريات فيلم الباطنية، الذي شارك فيه عدد من الفنانين الشباب آنذاك، مثل أحمد زكي، وفاروق الفيشاوي، وممدوح عبدالعليم، وقال:" هؤلاء كانوا لا يزالون في بداياتهم، وكل منهم أصبح نجمًا كبيرًا لاحقًا، أعتبر هذا الفيلم لحظة ميلاد فنيّة لعدد من أهم النجوم، وقد أهداني بعض طلابي في الجامعة ملصق الفيلم، فاحتفظت به وعلّقته في مكتبي، لأنه يرمز إلى زمن جميل في حياتي".
وفي معرض حديثه عن الاختلاف بين جيل الرواد والجيل الحالي، قال سمير فرج: "نجوم الزمن الجميل، مثل سعاد حسني وفاتن حمامة، كانوا يحبون الفن إلى درجة العشق، وكانوا يبذلون كل جهدهم ليخرج العمل بأفضل صورة ممكنة. أما اليوم، فإن الكثير مما يُعرض على المنصات لا يتمتع بالعمق، بل تتسم الأعمال في الغالب بالسطحية".
وأضاف:"زمان، كان هناك تقدير ومحبة حقيقية بين الفنانين.. أما اليوم، فالأجواء مختلفة تمامًا".
تجربة إنتاجية
رغم أن الإنتاج لم يكن محور مسيرته، فإن سمير فرج خاض تجربة إنتاجية ناجحة بالتعاون مع الفنان الراحل مصطفى متولي، وقدما معًا فيلمان من بطولة عادل إمام ونور الشريف، هما: الإرهابي وعيش الغراب، وقال: "حقق الفيلمان نجاحًا كبيرًا، وكان لعادل إمام دور بارز في هذا النجاح، خصوصًا في فيلم الإرهابي الذي عُرض في توقيت بالغ الحساسية، وامتلأت به دور العرض عن آخرها".
تهديدات بالقتل
وكشف فرج عن كواليس ما دار خلف الكاميرا في فيلم "الإرهابي"، قائلًا: "تعرضنا لتهديدات من جماعة الإخوان في أثناء التحضير لفيلم الإرهابي، كان من المقرر أن يخرجه سمير سيف، لكنه اعتذر خوفًا من ارتكاب أي خطأ ديني قد يُعرّضه للخطر، ورشح هو بنفسه المخرج نادر جلال، الذي تولى إخراج الفيلم، رغم التهديدات التي وُجّهت إليه وإلى عادل إمام، لكنهما لم يخفَا، واستمر العمل بشجاعة".
وأكد فرج أن هذه التجربة كانت شاقة على المستوى الإنتاجي بسبب التكاليف، لكنها تمثل علامة فارقة في مشواره، وأضاف: "النجاح كان نتيجة للإصرار والاجتهاد، والتمسك بالرسالة التي كنا نؤمن بها".
أعرب فرج عن سعادته بما يجمع أبناء جيله من علاقات إنسانية قوية، وقال: "ما زال بيننا حب وتقدير حقيقي، لا يخضع لأي تصنّع أو مجاملة. عندما ينشر أحد أصدقائي مثل سعيد منشورًا للاحتفاء بي بعد الجائزة، فهذا دليل على أن المودّة لا تزال صادقة ومتبادلة".
وفي ختام حديثه، أوضح سمير فرج أسباب ابتعاده عن الساحة الفنية، قائلًا: "المناخ العام أصبح صعبًا، وساعات التصوير أصبحت طويلة، ومع تقدمي في السن، لم تعد حالتي الصحية تحتمل هذه الضغوط، لذلك قررت أن أبتعد بهدوء".