تواجه الإدارة الأمريكية خيارًا صعبًا ما بين الانضمام للإجماع العالمي على "حل الدولتين" لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو الإبقاء على موقفها الرافض لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وتتزايد الضغوط الدولية على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لإجبار حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على إنهاء الحرب الذي يشنها جيش الاحتلال على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، إذ وقعت 15 دولة إعلانًا يعرب عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر المقبل.
واختتم أمس الثلاثاء، في نيويورك "مؤتمر الأمم المتحدة لتعزيز حل الدولتين" بمشاركة 17 دولة، أكدوا في البيان الختامي للمؤتمر، رفض أي تغييرات ديموغرافية في الأراضي الفلسطينية، وطالبوا بتسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس التنفيذ الفعّال لحل الدولتين.
وأشاروا إلى أنه يجب على حماس إنهاء سيطرتها على غزة وتسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية، مؤكدين رفضهم لجميع الهجمات التي يقوم بها أي طرف ضد المدنيين.
اعترافات متزايدة
ووقعت 15 دولة إعلانًا يعرب عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر المقبل. وحسب هذه الدول، تعد هذه خطوة أساسية على طريق حل الدولتين، ودعت جميع الدول التي لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية إلى الانضمام للدعوة.
وأعلنت 9 دول جديدة عزمها الاعتراف بفلسطين، هي أندورا، أستراليا، كندا، فنلندا، لوكسمبورج، مالطا، نيوزيلندا، البرتغال، وسان مارينو. حتى أن رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا، أصدر بيانًا منفصلًا بهذا الشأن، أعلن فيه الاعتراف المزمع.
وجاء في بيان مشترك لوزراء خارجية هذه الدول وعددها 15 دولة، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يُعد "خطوة أساسية نحو تحقيق حل الدولتين"، ودعوا دولًا أخرى إلى الانضمام إلى هذا التوجه.
ومن بين الموقعين على البيان وزراء خارجية دول لم تعترف بعد بدولة فلسطين، مثل أستراليا وكندا وفنلندا ونيوزيلندا والبرتغال وأندورا وسان مارينو. كما وقع البيان وزراء خارجية دول سبق أن اتخذت هذه الخطوة، كأيسلندا وأيرلندا وإسبانيا.
أهمية الاعتراف البريطاني الفرنسي
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، سبتمبر المقبل، ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جوهرية لإنهاء "الوضع المروع" في غزة، وفقًا لـ"رويترز".
وحدد "ستارمر" عدة شروط لإسرائيل، إذا ما استوفيت، فإن بريطانيا لن تنفذ قرارها ولن تعترف بدولة فلسطينية، سبتمبر 2025، هي وقف إطلاق النار في غزة، وتوضيح بأنه لن يكون هناك ضم في الضفة الغربية، والالتزام بعملية سلام طويلة الأمد تفضي إلى حل الدولتين.
وتأتي خطوة رئيس الوزراء البريطاني، في أعقاب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأسبوع الماضي، أن بلاده ستعترف بفلسطين كدولة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر المقبل.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن محللين إن كلا الإعلانين- البريطاني والفرنسي - يعكسان الإحباط العميق للبلدين إزاء سلوك إسرائيل في الحرب على غزة، التي أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتركت سكانًا يبلغ عددهم نحو مليوني نسمة في حالة من الحرمان الشديد والجوع.
وجاء الإعلانان أيضًا ردًا على ممارسات إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة، فقد أدى عدوانها العسكري هناك إلى نزوح جماعي للفلسطينيين هذا العام، وتوسعت خطط الاستيطان، وتصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
نتائج الاعتراف بالدولة الفلسطينية
وقال أردي إمسيس، الأستاذ المشارك في كلية الحقوق بجامعة كوينز في أونتاريو، المسؤول السابق في الأمم المتحدة، إن إحدى النتائج الرئيسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية أنها توفر الأساس "لمراجعة كاملة للعلاقات الثنائية مع إسرائيل".
على الدولة التي تعترف بفلسطين مراجعة الاتفاقيات مع إسرائيل للتأكد من أنها لا تخل بالتزاماتها تجاه الدولة الفلسطينية. وأوضح أن ذلك يشمل السلامة السياسية والإقليمية، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمدنية.
على سبيل المثال، إذا كان أحد جوانب التجارة يساعد إسرائيل في انتهاك حقوق الدولة الفلسطينية، فإن الدولة المعترفة ستضطر إلى وقف هذا التبادل.
وأضاف إمسيس: "من الناحية العملية، فإن الاعتراف من شأنه أن يوفر أساسًا لمزيد من الضغط من جانب المجتمع المدني والمشرعين في الدولة المعترفة لتغيير السياسات ومواءمتها مع المتطلبات الأخرى".
وقال بول رايكلر، محامٍ يمثل الدول ذات السيادة ويدافع عن دولة فلسطين في محكمة العدل الدولية، إن الدولة المعترفة بإسرائيل لن تضطر إلى وقف كل التجارة مع إسرائيل.
لكن إذا قامت دولة تعترف بدولة فلسطين، على سبيل المثال، باستيراد منتجات زراعية من مزارع تابعة للمستوطنين في الأراضي المحتلة، فإن هذه الاتفاقيات تساعد وتشجع على ارتكاب فعل غير مشروع، على حد قوله.
ويشير خبراء القانون الدولي إلى أن حكمًا استشاريًا أصدرته محكمة العدل الدولية، العام الماضي، خلص من بين أمور أخرى إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ينتهك حظر الاستيلاء على الأراضي.
147 دولة تعترف بفلسطين
تجدر الإشارة إلى أن معظم دول الأمم المتحدة - 147 من أصل 193 - تعترف بالفعل بدولة فلسطينية. وستنضم إليهما بريطانيا وفرنسا، وموقفهما ذو ثقل إضافي لكونهما عضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويملكان حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار جوهري للمجلس، بما في ذلك قرار قبول دول جديدة.
وستعزز الدولتان موقف معظم الدول الأخرى، وتبعثان برسالة سياسية، لكن من شأن هذا التحول أن يكون له أثر عملي أيضًا. ستنضمان إلى الصين وروسيا في الاعتراف بدولة فلسطينية، وتتركان الولايات المتحدة العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن الذي يتمتع بحق النقض (الفيتو).
وتتمتع دولة فلسطين حاليًا بصفة مراقب في الأمم المتحدة، ولن يتغير هذا الوضع إذا أبقت الولايات المتحدة على معارضتها للعضوية الكاملة.
وترفض الولايات المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين من جانب واحد، وتصر على أن أي اعتراف يجب أن يكون ناتجًا عن مفاوضات مباشرة، كما تستخدم واشنطن حق النقض (الفيتو) بشكل متكرر ضد تحركات فلسطينية في الأمم المتحدة.
ويعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية جزءًا من جهد سياسي ودبلوماسي وقانوني للتوصل إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على الرغم من معارضة الحكومة الإسرائيلية الحالية.
قال رايكلر: "هناك شعبان يعيشان بين النهر والبحر، وليس شعبًا واحدًا، ولهما الحق في دولتين منفصلتين يتمتع فيهما كل منهما بكامل الحقوق المدنية والإنسانية".
وأضاف: "الحل الوحيد دولتان، وهذا ما يقتضيه القانون الدولي، وينعكس في قرارات الأمم المتحدة وفي قرارات محكمة العدل الدولية".
ومع أن إعلانات الدولة الفلسطينية قد تبدو رمزية، إلا أن "خطوات صغيرة" مثل الاعتراف "تسهم" في تحقيق هدف إقامة دولتين، على حد قوله.
ويرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكرة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، زاعمًا أنها ستعرض أمن إسرائيل للخطر، ويضم ائتلافه الحاكم وزراء من اليمين المتطرف، وهم مستوطنون يعارضون بشدة قيام دولة فلسطينية، وهو يخاطر بانسحابهم من الائتلاف إذا أبدى استعداده للنظر في الأمر.