تتزايد الضغوط على إسرائيل بعد إعلان بريطانيا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، على غرار ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غير أن الأولى أرجأت تلك الخطوة إلى سبتمبر المقبل، حال عدم تراجع إسرائيل عن جرائمها في قطاع غزة، بحسب "تايمز" البريطانية.
وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لمجلس الوزراء، أمس الثلاثاء، إن بريطانيا ستعترف بدولة فلسطين، سبتمبر المقبل، ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جوهرية لإنهاء "الوضع المروع" في غزة.
وأعلن "ستارمر"، أنه ناقش مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تصورًا لخطة بشأن السلام في غزة، ويبقى السؤال هل سيُحدث اعتراف بريطانيا أو فرنسا أي فرق، عندما ترفضه إسرائيل وتستخدم الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" ضد أي محاولة لفرضه على الأمم المتحدة؟
وأضاف رئيس الوزراء البريطاني، أن حكومة بنيامين نتنياهو يجب أن تُنهي تكتيكات التجويع وتسمح بوصول المساعدات إلى القطاع المحاصر بعد أن قالت هيئة الأمن الغذائي المدعومة من الأمم المتحدة، إن "أسوأ سيناريو للمجاعة" يحدث في المنطقة.
من وعد بلفور للاعتراف بفلسطين
وتزعم إسرائيل أن ذلك سيزيد الأمور سوءًا، بدعوى أنها ستشجع حماس، وبالتالي ستُضاعف مطالبها الآن، خلال محادثات وقف إطلاق النار.
لقرار بريطانيا، على وجه الخصوص، صدى خاص، باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة التي وعدت اليهود في وعد بلفور عام 1917 لأول مرة، بدولة في فلسطين، واستشهد ديفيد لامي، وزير الخارجية، في الأمم المتحدة، بوعد بلفور.
ولكن بلفور لا يزيد من شعبية بريطانيا لدى إسرائيل، التي امتنعت عن التصويت على انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة عام 1949، حتى مع تصويت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لصالحه.
ومن شأن اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين، الإقرار بوجود دولة فعلية، مستوفية للشروط المنصوص عليها في القانون الدولي، التي حددتها بوضوح اتفاقية "مونتيفيديو" لعام 1933، لها إقليم محدد، وسكان دائمون، وحكومة، وقدرة على الدخول في علاقات مع دول أخرى.
تعزيز حضور فلسطين دوليًا
إذا مضت بريطانيا قدمًا في الاعتراف، سبتمبر 2025، فإن ذلك يعني أن البعثة الفلسطينية في لندن ستصبح سفارة، وستكون بريطانيا مُلزمة دبلوماسيًا بتعزيز حضور فلسطين في اللجان الدولية التي تشترط أن يكون لأعضائها صفة الدولة.
وتشارك فلسطين في الأمم المتحدة بصفتها "دولة مراقبة"، وليست "دولة عضو"، لذا لا يمكنها التصويت، أو تقديم اقتراحات، أو شغل مقعد تناوبي في مجلس الأمن، وستستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد أي طعن في ذلك، ولكن من خلال العمل المشترك، نجحت فرنسا وبريطانيا، وكلاهما من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، في إعادة الكرة الفلسطينية إلى ملعب إسرائيل والولايات المتحدة، الداعم الأخير لها.
عرقلة محتملة من أمريكا
قالت الدكتورة جولي نورمان، الأستاذة المشاركة في جامعة لندن والمتخصصة في السياسة بالشرق الأوسط، إنه من المرجح أن تعترف المملكة المتحدة بفلسطين كدولة، وهو ما يعني التصويت لصالح ذلك في الأمم المتحدة، لكن من غير المرجح أن تتمكن الأمم المتحدة من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بسبب احتمال قيام الولايات المتحدة بعرقلة هذه الخطوة.
ومع ذلك، قالت إن تصويت دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا لصالح الاعتراف في الأمم المتحدة سيكون بمثابة خطوة "مهمة"، وأن اعتراف المملكة المتحدة رسميًا بالدولة الفلسطينية سيظل "ذا قيمة"، حتى لو كانت الحقيقة هي أن الكثير لن يتغير على الأرض، إذ لا تزال إسرائيل "ترفض تمامًا" احتمال الاعتراف.
ماذا يعني الاعتراف بفلسطين كدولة بالنسبة للاجئين؟
وأوضح السير فينسنت فين، القنصل العام البريطاني السابق في القدس، الذي يشغل الآن منصب أمين مؤسسة مشروع بريطانيا وفلسطين الخيرية، أن الاعتراف بفلسطين كدولة يعني أنه إذا تم إصدار جوازات سفر فلسطينية، فستعترف بها المملكة المتحدة في وقت لاحق كجوازات سفر لدولة.
ومع ذلك، قال السير فينسنت إن قيام الدولة الفلسطينية لن يؤثر على نظام اللاجئين في المملكة المتحدة، ويرجع ذلك إلى توقعه استمرار نظام التأشيرات المعمول به حاليًا في المملكة المتحدة مع فلسطين، إذ لا يُسمح بالسفر بينهما إلا بعد الحصول على تأشيرة.
وأضاف أن قيام الدولة الفلسطينية "لن يُغير بشكل جوهري حق العودة للفلسطينيين إلى وطنهم"، وأكد أن هذا "حق راسخ"، مع أنه يتطلب التفاوض مع إسرائيل.
الدول التي تعترف بفلسطين
أصبحت فرنسا أحدث دولة تعلن أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية، ما أثار انتقادات غاضبة من إسرائيل والولايات المتحدة وفتح الباب أمام دول كبرى أخرى ربما لأن تحذو حذوها.
ونشر ماكرون، الأسبوع الماضي، رسالة موجهة إلى الرئيس الفلسطيني، مؤكدًا عزم فرنسا على المضي قدمًا في الاعتراف والعمل على إقناع الشركاء الآخرين بالقيام بالمثل، وقال إنه سيُصدر إعلانًا رسميًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر المقبل.
وأصبحت فرنسا الآن أول قوة غربية كبرى تغير موقفها الدبلوماسي بشأن الدولة الفلسطينية، بعد أن اعترفت بها إسبانيا وأيرلندا والنرويج رسميًا، العام الماضي.
وأصدرت الدول الثلاث إعلانًا واتفقت على ترسيم حدودها كما كانت قبل حرب عام 1967، عندما استولت إسرائيل على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.
وتعترف نحو 144 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بفلسطين كدولة، بما في ذلك معظم دول الجنوب، إضافة إلى روسيا والصين والهند، لكن قلة قليلة من أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27 تعترف بذلك، ومعظمهم من الدول الشيوعية السابقة، إضافة إلى السويد وقبرص.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف الفعلي بالدولة الفلسطينية ذات السيادة، نوفمبر 2012، من خلال رفع وضعها كمراقب في الهيئة العالمية إلى "دولة غير عضو" من "كيان".