اندلعت مساء أمس الثلاثاء، احتجاجات حاشدة في العاصمة الأوكرانية كييف وعدد من المدن الكبرى، بعد تمرير البرلمان قانونًا مثيرًا للجدل يخشى معارضوه أن يؤدي إلى تقويض استقلال الهيئات الرئيسية لمكافحة الفساد في البلاد، ويُهدد مكتسبات الثورة المؤيدة للغرب، التي اندلعت عام 2014.
وتجمع أكثر من 2000 شخص في ساحة قريبة من مقر إدارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، رافعين شعارات مثل "عار عليكم"، في أكبر موجة احتجاج سياسي تشهدها البلاد منذ بداية الحدب مع روسيا قبل ثلاث سنوات، كما خرجت مظاهرات مماثلة في مدن لفيف ودنيبرو وأوديسا، وسط دعوات لتوسيع رقعة الاحتجاجات، اليوم الأربعاء.
القانون الذي أقرّه البرلمان ووقع عليه زيلينسكي بشكل عاجل، ينقل تبعية المكتب الوطني لمكافحة الفساد ومكتب الادعاء المتخصص في قضايا الفساد إلى إشراف النيابة العامة، ما اعتبره المعارضون إنهاءً فعليًا لاستقلالية الهيئتين.
وأثار القرار مخاوف داخلية وخارجية، لا سيّما من قبل الحلفاء الأوروبيين، في ظل سعي أوكرانيا الحثيث للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو المسار الذي تعتبر فيه محاربة الفساد إحدى الركائز الأساسية.
وفي خطابه الأخير، حاول زيلينسكي تبرير القانون، معتبرًا أنه يهدف إلى تعزيز فعالية الهيئات وليس تقويضها، مشيرًا إلى أن العديد من القضايا الجنائية ضد مسؤولين فاسدين "معلقة منذ سنوات دون نتائج"، مضيفًا: "يجب أن يكون هناك المزيد من العدالة".
وأعلن أن القانون سيسهم في حماية هذه المؤسسات من "التأثير الروسي"، بعد أن داهمت الأجهزة الأمنية مقرات المكتب الوطني لمكافحة الفساد، الاثنين الماضي، بزعم وجود "جاسوس روسي" ضمن أحد الفرق النخبوية، لكن هذه التبريرات لم تلق قبولًا شعبيًا واسعًا، إذ اعتبر الكثير من المواطنين أن الحكومة تستخدم الحرب كذريعة لإعادة الدولة إلى ماضيها السلطوي.
ويأتي القانون بعد شهر واحد فقط من إعلان مكتب الفساد فتح قضية فساد ضد نائب رئيس الوزراء السابق أوليكسي تشيرنيشوف، أحد المقربين من رئيس ديوان الرئاسة أندريه يرماك، ورغم نفي تشيرنيشوف للاتهامات، إلا أنه أُقيل من منصبه في التعديل الوزاري الأخير.
ورأى مراقبون أن توقيت القانون يتزامن مع حملة تستهدف رموزًا بارزة داخل الدولة، ما يثير تساؤلات حول وجود صراع داخلي على النفوذ السياسي.
وكتب عمدة كييف فيتالي كليتشكو، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "أن من يقفون خلف هذا القانون يسحبون أوكرانيا سريعًا نحو الاستبداد"، مضيفًا أن الحكومة "تختبئ وراء الحرب لتكميم أفواه الناشطين والصحفيين وتدمير هيئات الرقابة".
وكتب وزير الخارجية السابق دميترو كوليبا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن "هذا اليوم سيئ لأوكرانيا"، مؤكدًا أن الثورة الأوكرانية في 2014 كانت "تضحية من أجل العدالة، ولا يمكن إلغاؤها بتصويت في البرلمان".
وعلى الصعيد الدولي، أعرب مسؤولون أوروبيون عن قلقهم العميق من الخطوة الأوكرانية. وكتبت المفوضة الأوروبية للتوسع مارتا كوس، عبر منصة"إكس"، أن "إضعاف استقلال مكتب الفساد يُعد انتكاسة خطيرة"، مشددة على أن "سيادة القانون تبقى في صلب مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي".
وقال دبلوماسيون أوروبيون إن هذه الخطوة قد "تقوض الثقة بين كييف والدول الغربية"، بل وربما تؤثر على استعداد بعض الدول لزيادة دعمها العسكري لأوكرانيا في مواجهة روسيا.