الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بين إذلال الجوع والموت مقابل وجبة.. معاناة الغزيين في العيش تحت نيران الاحتلال

  • مشاركة :
post-title
فلسطينيون يحاولون الحصول على الطعام عند مراكز مؤسسة غزة الإنسانية

القاهرة الإخبارية - متابعات

لم تكتفِ قوات الاحتلال الإسرائيلي بإجبار أهالي غزة المهجَّرين والمجوَّعين قسرًا على التوجه إلى مراكز وُصفت زورًا بأنها مخصصة "لتوزيع مساعدات"، بل حوّلتها أيضًا إلى ساحات للإذلال وقهر والموت.

يُرغَم الفلسطينيون على السير لساعات تحت الشمس الحارقة، قاطعين مسافات تمتد لعشرات الكيلومترات، ويبيتون على الأرصفة وفي الشوارع إذا لزم الأمر، أملًا في الحصول على كيس طحين أو أرز بالكاد يسد رمق أطفالهم.

وما إن يصل الفلسطينيون إلى مراكز "المساعدات"، حتى تبدأ صواريخ ورصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بملاحقتهم، فيستشهد من يستشهد، ويُجرَح من يُجرَح، ومنهم من يعود خاوي اليدين.. وهكذا تتحول لقمة العيش في غزة من حاجة إنسانية إلى معركة بقاء.

رحلة محفوفة بالموت

الفلسطيني سامي جبريل، من سكان مدينة غزة، يروي قصته المؤلمة لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا": "جئت من قلب المدينة إلى أقصى جنوب القطاع، لأبحث عن طرد غذائي، أو حتى ما يشبهه.. كيلو طحين، أو قليل من البقوليات.. لعلي أجد ما يسد رمق أطفالي وسط مجاعة خانقة تضرب غزة بلا رحمة، في ظل صمت عالمي مطبق، وعجز المجتمع الدولي عن إجبار الاحتلال على فتح المعابر وإدخال المساعدات إلى شعب يُحاصر ويُقصف منذ ما يقارب عشرين شهرًا متواصلة."

وتابع جبريل: "ذهبت مرارًا إلى مراكز التوزيع في الجنوب، من شارع الطينة جنوب شرقي خان يونس، إلى مركزي العلم والشاكوش غربي رفح، ومع كل تلك المحاولات، لم أتمكن من الحصول على أي طحين أو مواد غذائية سوى مرة واحدة فقط، الأمر لا يكلّف جهدًا جسديًا فحسب، خاصة مع المسافات الطويلة، والحر الشديد، والزحام الخانق، بل هو أيضًا عبء مادي كبير، فوسائل النقل قليلة وأجرتها مرتفعة، وكل محاولة للذهاب هناك أشبه برحلة شاقة محفوفة بالتعب والخيبة".

أما الفلسطيني يوسف الكفارنة، من بلدة بيت حانون شمالي القطاع والنازح حاليًا في محافظة غزة، فيصف الوضع: "الذهاب إلى مراكز توزيع المساعدات، سواء في خان يونس أو رفح جنوبًا، أو حتى إلى مفترق الشهداء شمال المحافظة الوسطى، هو أشبه برحلة محفوفة بالموت".

أضاف: "من يقرر التوجه إلى هناك، يضع أمام عينيه أملًا ضئيلًا لا يتجاوز 10% بالعودة سالمًا، مقابل 90% احتمال أن يُصاب، أو يُستشهد، أو يختنق كما حدث مؤخرًا في مركز المساعدات بشارع الطينة جنوب شرقي خان يونس".

استطرد الكفارنة، بينما بدت عليه آثار التعب والإنهاك والغبار والعرق يغطيان ملامحه: "في ظل هذه المجاعة القاسية التي أكلت الأخضر واليابس، أصبح الحصول على لقمة خبز بمثابة معجزة.. لا طحين، ولا قمح، ولا حبوب، لا شيء هنا، ومن يظفر برغيف خبز يُعد من المحظوظين، بل من أغنياء القوم، بعدما وصلت تكلفة الرغيف الواحد إلى 10 شواكل، أي ما يعادل ثلاثة دولارات."

ويضيف: "تخيل أن عائلة من ستة أفراد، وهو الحد الأدنى لمعظم عائلات غزة، تحتاج إلى ما لا يقل عن 60 شيكل يوميًا فقط للخبز، أي ما يزيد على 18 دولارًا، في وقت يعاني فيه الجميع من فقر شديد متواصل منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، وهذا وحده كفيل بأن يُنهك أي أسرة، حتى قبل أن تفكر في الحصول على باقي ضروريات الحياة".

من جهته، يؤكد الفلسطيني سفيان سلامة: "نضطر للمبيت في الطرقات، وأحيانًا إن حالفنا الحظ، نجد بقعة مغطاة بشادر قرب مراكز توزيع المساعدات، لنقترب خطوة من الأمل في اليوم التالي، ننام هناك.. لا راحة ولا أمان.. فقط كي نكون من أوائل الواصلين عند فتح المراكز، لعلنا نظفر بطرد غذائي، أو حتى بقليل من المواد التي تقي أطفالنا الجوع".

ويتابع سلامة بأسى: "المشكلة أن الاحتلال لا يلتزم بمواعيد فتح تلك المراكز.. يتلاعب بالوقت، ويجبرنا على الانتظار لساعات طويلة تحت الشمس، ولا يفتحها بشكل يومي كما يُروّج، هناك من ينتظر يومًا، وهناك من يعود خائبًا بعد ليلة شاقة".

ورغم مشقة الطريق والانتظار، إلا أن الأخطر كما يروي سلامة هو الرصاص الذي ينتظرهم في المكان ذاته: "قوات الاحتلال تمارس أبشع صور القتل بحق المجوَّعين، تطلق النار وتصيب في مقتل، نرى كل يوم شهداء وجرحى، والكارثة أن كثافة إطلاق النار وصعوبة الوصول إليهم نتيجة الزحام تمنع حتى إسعافهم، وكل من هناك لا يريد شيئًا سوى ما يُطعم به أطفاله وجبة واحدة في اليوم، إن استطاع".

ويشير إلى واقع الجوع المدقع قائلًا: "أغلب العائلات في قطاع غزة لا تجد وجبة تُشبع أفرادها في اليوم الواحد، ويبيتون جياعًا، وبعضهم بات يأكل الحمص أو العدس دون طهي، فقط ليملأ بطونهم بشيء، ويشربون الماء بكثرة حتى تنتفخ تلك البقوليات داخل المعدة، وليشعروا بالشبع، لكنها الآن أيضًا أصبحت نادرة، وسعر الكيلو وصل إلى 40 شيكلًا، أي نحو 13 دولارًا، وهو مبلغ خيالي في ظل الفقر".

ويعاني قطاع غزة خطر المجاعة منذ بداية مارس الماضي، وهي ثاني مجاعة طويلة يتعرض لها الشعب الفلسطيني خلال حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الشعب في القطاع منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، واستشهد خلالها عشرات الفلسطينيين على سلم الموت جوعًا.