كشف تحقيق لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية أن شركة MBDA، أكبر شركة لصناعة الصواريخ في أوروبا، باعت مكونات رئيسية للقنابل التي تم شحنها بالآلاف إلى إسرائيل واستخدامها في غارات جوية متعددة قتلت الأطفال والمدنيين الفلسطينيين. حيث تملك الشركة مصنعًا في ألاباما بالولايات المتحدة، يُنتج أجنحةً تُركّب على قنبلة GBU-39 التي تُصنّعها شركة "بوينج".
وفي الوقت الذي تنفتح هذه الأجنحة بعد الإطلاق، مما يسمح بتوجيه القنبلة بدقة إلى أهدافها من الفلسطينيين، تتدفق إيرادات الشركة الأمريكية عبر فرعها في هيرتفوردشاير بالمملكة المتحدة. حيث وزّعت أرباحًا بلغت نحو 350 مليون جنيه إسترليني العام الماضي على مساهميها الثلاثة، BAE Systems أكبر شركة دفاع بريطانية، وAirbusالفرنسية، وLeonardo الإيطالية.
وكان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، علّق في سبتمبر الماضي بعض تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مشيرًا إلى خطر وقوع "انتهاكات جسيمة" للقانون الإنساني الدولي، في خطوة تهدف إلى استهداف "الأسلحة التي قد تُستخدم في الصراع الحالي في غزة".
وأشار التحقيق إلى 24 حالة استُخدمت فيها قنابل GBU-39 في هجمات أسفرت عن استشهاد مدنيين، بينهم أطفال في كل حالة، في مبانٍ مدرسية ومخيمات لجأت إليها عائلات نازحة.
استهداف العزّل
وصلت قنبلة GBU-39 إلى إسرائيل في إطار برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية، الذي يُقدّم منحًا وقروضًا تُنفق على الأسلحة. وقد صُنّع ما يُقدّر بـ 4800 قنبلة منها من شركة "بوينج" مباشرةً. كما نُقلت كمية من احتياطيات الجيش الأمريكي بعد عملية "وفان الأقصى". وقد أُعلن عن آخر شحنة من القنابل، وعددها 2166، في فبراير الماضي، في الوقت الذي أفادت فيه الأمم المتحدة بأنّ ما يقرب من 70% من غزة قد تحوّل إلى أنقاض.
تُطلق الطائرات المقاتلة قنبلة GBU-39 جوًا. بفضل حمولتها الخفيفة نسبيًا (أقل من 100 كجم)، يمكنها تدمير طابق أو طابقين من مبنى، مع الحفاظ على باقي الهيكل سليمًا. وقد شجعت وزارة الخارجية الأمريكية استخدامها، بما في ذلك في عهد الرئيس السابق جو بايدن "لأنها كانت تُعتبر أفضل من القنابل الأثقل بكثير التي استُخدمت لتدمير غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب".
وسُجِّلت أول حالة إصابة مؤكدة منذ بدء الحرب في 2 نوفمبر، في مخيم البريج المكتظ بالسكان، عندما انهارت عدة مبانٍ. وقدَّرت الأمم المتحدة أن الطائرات الإسرائيلية أطلقت أربع قنابل على الأقل. وفي تقرير نُشر العام الماضي، أشارت الأمم المتحدة إلى الهجوم كواحد من ستة أمثلة قالت فيها إن إسرائيل "ربما لم تلتزم" بمبادئ القانون الإنساني الدولي.
ولفتت بيانات "ذا جارديان" إلى أن الجيش الإسرائيلي زاد بشكل كبير من استخدامه لقنابل GBU-39 في عام 2024. وكان من أكثر الهجمات تدميرًا ليلة 26 مايو، عندما قصفت طائرات مقاتلة مخيم "السلام" في رفح. وأفاد مراقبون أن طفلاً رضيعًا وامرأة قُطع رأساهما بشظايا المتفجرات. وأحصت وزارة الصحة في غزة 45 قتيلاً و249 جريحًا.
ومن بين الهجمات المُتحقق منها، استهدفت إسرائيل 16 مدرسة لم تعد صالحة للاستخدام كمرافق تعليمية، إلا أنها أصبحت ملاذًا لنازحي غزة. أما الهجمات الأخرى، فقد استهدفت مخيمات ومنازل عائلات ومسجدًا أثناء صلاة الفجر.
أرباح ضخمة
عندما علّق وزير الخارجية البريطاني 29 ترخيصًا لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ظل الحظر محدود النطاق، حيث لا تملك الحكومة صلاحية منع مبيعات الشركات الأجنبية، حتى لو كانت جزءًا من المجموعة نفسها التي تنتمي إليها شركة بريطانية.
وكما لا يشمل الحظر شركة MBDA الأمريكية التي تعمل بموجب القوانين وضوابط الأسلحة المحلية، سمح لامي بإعفاء يسمح للشركات البريطانية، بما في ذلك شركة BAE Systems، بمواصلة إنتاج أجزاء من طائرة F-35 المقاتلة لإسرائيل.
وعلى الرغم من الكلمات القوية والتهديدات بفرض المزيد من العقوبات بعد أن انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار في مارس، ورغم النتائج التي توصلت إليها الأمم المتحدة والتي تفيد بأن أساليب الحرب في غزة تتفق مع الإبادة الجماعية، فإن الزعماء الأوروبيين لم يتخذوا أي خطوات أخرى لمنع شركات الأسلحة المحلية من الاستفادة.
وفي تقريرٍ صدر الشهر الماضي، تناولت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أرباح الشركات من الصراع.
وخلصت ألبانيز إلى أن هذا التقرير "يُظهر سبب استمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، لأنها مُربحة للكثيرين".