في أقل من خمسة أيام، شهدت ولاية كاليفورنيا الأمريكية أربعة حوادث قتل جماعي أودت بحياة أكثر من 15 شخصًا وإصابة آخرين، الأمر الذي يبعث من جديد أزمة القتل الجماعي وأزمة حيازة السلاح في القانون الأمريكي، والتي تثير تصادم وجدل دستوري دائم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فيما بدأت بعض الجهات الأمنية كالمركز القومي لتقييم التهديدات التابع للخدمة السرية في الولايات المتحدة، إلى استقصاء مشكلة حوادث القتل الجماعي، والبحث في دوافع الجناة.
دوافع مقلقة
وفق دراسة نشرتها صحيفة "إندبندنت" أوضحت أن نسبة العنف واستخدام السلاح في المهاجرين تحديدًا تمثل النسبة الأكبر داخل المجتمع الأمريكي، وأن ما يقرب من ثلاثة أرباع المهاجمين استخدموا أسلحة نارية لتنفيذ هجمات جماعية بين عامي 2016 و2020.
وتكشف الدراسة التي حللت 173 حادث إطلاق نار جماعي على مدار الأعوام الماضية، أن أكثر من ثلث المهاجمين عانوا من صعوبة الحصول على سكن، في العقدين اللذين سبقا جرائمهم، وشارك ربعهم تقريبًا رسائل وداعية قبيل الهجمات.
السلاح والجريمة
وفق دراسة "الإندبنتدت" فإن 73% من المهاجمين في قضايا القتل الجماعي استخدموا سلاحًا ناريًا واحدًا أو أكثر لقتل أو تشويه الضحايا، وفيما يتعلق بالوفيات عند مقارنة أنواع الأسلحة، فإن أكثر من 80% من الحوادث التي استخدم فيها سلاح ناري كانت قاتلة، ووجدت الدراسة أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المهاجمين استخدموا مسدسًا يدويًا، بينما استخدم ثلثهم تقريبًا بنادق آلية.
وفيما يتعلق بالأسلحة أوضحت الدراسة أن أغلب ممن ارتكبوا جرائم القتل الجماعي حصلوا على السلاح بطرق غير قانونية، منها الشراء من خلال طرف ثانٍ، أو السرقة، أو الشراء من مواطنين خارج القنوات الرسمية عبر الإنترنت بصورة خاصة.
وتعقب الباحثون توقيت حيازة الأسلحة في 50 هجومًا، ووجدوا أن المهاجمين في 19 من تلك الحوادث حصلوا على السلاح في غضون شهر واحد من الهجوم، وفي يوم الهجوم نفسه في ثلاث حالات.
بينما تراوحت أعمار المهاجمين بين 14 و87 عامًا، بمتوسط عمر 34 عامًا.
ويعد العنف باستخدام السلاح أزمة كبيرة في الولايات المتحدة، إذ حصلت أكثر من 600 عملية إطلاق نار استهدفت مجموعة من الأشخاص في عام 2022، وفق موقع "أرشيف عنف الأسلحة" Gun Violence Archive.
وقضى أكثر من 44 ألف شخص متأثرين بإصابتهم بأعيرة نارية في عام 2022، وأكثر من نصفهم حالات انتحار.
ويملك واحد من كل ثلاثة بالغين في الولايات المتحدة سلاحًا واحدًا على الأقل، ويعيش واحد من كل شخصين بالغين في منزل يحتوي على قطعة سلاح.
انتشار متزايد
وفي سياق متصل، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرًا بعنوان "متي يتوقف كل هذا؟" تناول مآسي القتل الجماعي في الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرة إلى أن في بلد يوجد فيه عدد أسلحة أكثر من عدد المواطنين، أمر يثير القلق بصورة كبيرة، خاصة بعد فترة من العزلة والتوتر الذي مر به العالم بعد انتشار وباء كورونا، فإن الأمر الذي يودي بحياة المئات كل شهر بسبب حوادث إطلاق النار الجماعي قد يكون أمرًا يجب الوقوف عنده.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن ملكية السلاح في الولايات المتحدة آخذة في الازدياد، إذ وصلت مبيعات الأسلحة إلى رقم قياسي بلغ 23 مليونًا في عام 2020، بزيادة قدرها 65% عن عام 2019، وظلت مرتفعة في عام 2021 وفقًا لمحللي الصناعة، واستمرت هذه الزيادة إلى حد كبير في العام التالي، إذ ارتفعت المبيعات بنسبة 75٪ في الشهر نفسه الذي حدث فيه هجوم الكونجرس الأمريكي.
ونقلت "واشنطن بوست" عن خبراء أكدوا أن هناك نحو 393 مليون بندقية في أيدي القطاع الخاص في جميع أنحاء الولايات المتحدة، التي كانت في عام 2022 دولة يبلغ عدد سكانها 333 مليون نسمة.
وباء جديد
من جهة أخرى، نقلت جريدة "نيويوركر" أن حوادث القتل الجماعي أصبحت مثل الوباء المنتشر بصورة مفزعة داخل المجتمع الأمريكي، مضيفة أن خلال شهر يناير الجاري، شهدت البلاد 38 إطلاق نار جماعي، وفقا لأرشيف عنف الأسلحة، الذي يرصد هذه النوعية من الحوادث، وانتهى ستة منها بمقتل أربعة أشخاص أو أكثر.
وقالت "نيويوركر" إن الإحصاءات الخاصة بأرشيف عنف الأسلحة تظهر أن حوادث إطلاق النار الجماعية تحدث بتفاوتات عديدة، بما في ذلك عنف العصابات والعنف الأسرى والهجمات العشوائية التي يقوم بها أشخاص مضطربين، والإرهاب المحلى، والذي يعرفه FBI بأنه أفعال عنيفة إجرامية يرتكبها أفراد أو جماعات من أجل تعزيز أهداف عقائدية نابعة من التأثيرات المحلية سواء كانت ذات طبيعة سياسية أو دينية أو اجتماعية أو عنصرية أو بيئية.
من جانبه، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن بيانًا حث فيه الكونجرس على العمل لإصدار قانون تقنين امتلاك السلاح في الولايات المتحدة، وهو القانون الذي يقف أمامه الحزب الجمهوري بصورة كبيرة، إذ ينص القانون الأمريكي على إمكانية امتلاك رخصة السلاح من سن 18 عامًا، بينما يسعى الرئيس الأمريكي وحزبه الديمقراطي على رفع سن امتلاك السلاح إلى 21 عامًا، وهو الأمر الذي يرفضه الحزب الجمهوري ويدعمه فيه ما يعرف بـ"لوبي السلاح" الأمريكي بيد أن الحزب الديمقراطي يسعى إلى تغير "ثقافة المجتمع الأمريكي".
وقال الرئيس بايدن تعليقًا على الحوادث المتوالية في ولاية كاليفورنيا:"أحث الكونجرس مجددًا على التحرك بسرعة وإحالة قانون حظر الأسلحة الهجومية، إلى مكتبي، واتخاذ إجراءات للحفاظ على المجتمعات والمدارس وأماكن العمل والمنازل الأمريكية آمنة".
وأضاف: "أنا وجيل نصلي من أجل القتلى والجرحى في حادث إطلاق النار المأساوي الأخير في هاف مون باي شمالي كاليفورنيا، للمرة الثانية في الأيام الأخيرة، تحزن مجتمعات كاليفورنيا على فقدان أحبائهم في عمل لا معنى له من أعمال العنف باستخدام الأسلحة النارية".
وأفاد بأنه وجّه الإدارة الأمريكية بعد إحاطة من فريق الأمن الداخلي، بضمان حصول السلطات المحلية ومجتمع هاف مون باي على الدعم الكامل من الحكومة الفيدرالية في أعقاب هذا الهجوم الشنيع.