"صناعة الأفلام فرصة لعيش حياة طويلة، فهناك حياة جديدة مع كل فيلم تشاهده".. هذه إحدى مقولات المخرج الأمريكي روبرت ألتمان الفائز بالأوسكار الشرفية والسعفة الذهبية، ويمكن أن تلخص هذه الجملة مسيرة المخرج المصري سامح عبدالعزيز الذي غيَّبه الموت اليوم، وسط حالة حزن شديدة من الوسط الفني والجمهور أيضًا الذي ارتبط بأفلامه وأعماله الدرامية التلفزيونية.
أعمال سامح عبدالعزيز تعكس إيمانه بأنه السينما والدراما ليست مجرد فنون للمتعة أو وسائل للهروب من الواقع، بل هما مرآة تعكس تفاصيل الحياة، وتمنحنا فرصة لرؤية أنفسنا في مشاهد الآخرين، وتلتقط نبض الشارع، وتترجم مشاعر الناس وأفراحهم وأوجاعهم.
في هذه المساحة الواقعية تحديدًا، تألق المخرج سامح عبدالعزيز، وترك بصمته الخاصة، فالمخرج الذي وُلِد عام 1976، وتخرج في المعهد العالي للسينما عام 1996، لم يكن من صناع الزيف، بل من أولئك الذين آمنوا أن حكايات البسطاء أكثر قيمة من القصص غير الواقعية.
بدأ المخرج الراحل مشواره المهني مخرجًا لبرامج تلفزيونية، قبل أن تأتيه الفرصة الأولى للتعبير عن موهبته، من خلال السينما بفيلم "درس خصوصي" عام 2005، ورغم عدم نجاحه التجاري وقتئذ، إلا أنه كان فرصة لوضع قدمه في المشهد الفني.
وفي وقت كانت الكوميديا هي السائدة ومسيطرة على شباك التذاكر بمنتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، أخرج "عبدالعزيز" فيلمين كوميديين هما "أسد وأربع قطط" بطولة هاني رمزي، و"أحلام الفتى الطائش" بطولة رامز جلال، وكان حظهما من النجاح التجاري أفضل من سابقيه، لكنه بقي نجاحًا متوسطًا، قبل أن تأتي الانطلاقة الأقوى التي عبر فيها عن نفسه كمخرج يعرف كيف يترجم نبض الشارع إلى حكاية سينمائية، وذلك من خلال فيلم "كباريه" الصادر عام 2008، بطولة جماعية لكل من فتحي عبدالوهاب وخالد الصاوي وجومانا مراد ودنيا سمير غانم وماجد الكدواني وصلاح عبدالله وغيرهم.
ناقش الفيلم حالة الازدواجية والمعايير المختلطة التي يعيشها بعض الأفراد، متنقلًا في نفوس الشخصيات وما تحمله من النقيضين الخير والشر، وذلك من خلال حكايات لعدة أشخاص متشابكة، تجمعهم 24 ساعة داخل إحدى الملاهي الليلية.
صدق المشاهد الدرامية وحكايات الفيلم، جعلته أحد أبرز إنتاجات السينما المصرية، ما شجَّع صناعه على إعادة التجربة بحكاية أخرى من نسيج المجتمع المصري وذلك من خلال فيلم "الفرح" بطولة خالد الصاوي وصلاح عبدالله ومحمود الجندي وسوسن بدر وروجينا، والصادر عام 2010 محققًا نجاحًا تجاريًا ونقديا كبيرا. ليتبعه بعد ذلك بـ5 سنوات بالفيلم الذي يكمل الثلاثية "الليلة الكبيرة" والذي تدور أحداثه أيضا في 24 ساعة داخل إحدى الموالد الشعبية، وشخوص الفيلم تشبه الكثير من الناس في البيوت المصرية والحارة الشعبية.
ثلاثية "كباريه" و"الفرح" و"الليلة الكبيرة"، بدت وكأنها تقدم وثيقة اجتماعية بروح شعبية، وتستعرض معيشة وفرح وحزن وأفكار البسطاء ومعتقداتهم، وسط ضجيج الحياة.
سامح عبدالعزيز، الذي غاب عن الدنيا نتيجة عدوى فيروسية في الدم، يعد أحد أبرز المخرجين المعاصرين الذين نجحوا في تقديم أعمال تحمل روحًا وقضية، ومن رحم الشارع المصري، حتى عندما ذهب إلى الدراما التلفزيونية بمسلسله "رمضان كريم"، استطاع بفضل امتلاكه أدوات السرد والصورة البصرية الواقعية، أن ينقل صورة مطابقة لواقع الحارة المصرية في شهر رمضان المبارك، وما به من روحانيات وطقوس، ويقدم نماذج لعائلات تشبه الواقع بدرجة كبيرة، وكأننا نعرفها إن لم تكن تتماس مع تفاصيل شخصياتنا.
المسلسل الذي عُرِض في رمضان عام 2017، حقق نجاحًا منقطع النظير، ما جعل الجمهور يتساءل عامًا تلو الآخر عن موعد الجزء الثاني له، حتى تم عرضه بناء على طلب جماهيري في رمضان عام 2023، إذ أحب الجمهور أن يرى مجددًا هذه الحكايات المتشابكة لأبناء الحي الشعبي، وبدا المسلسل وكأنه دراما دافئة، تلمس الروح وتركز على التفاصيل الصغيرة.
شراكات فنية شكلت ملامح جيل
ما ميز مشوار سامح عبدالعزيز أيضًا أنه كان شريكًا حقيقيًا في تجارب النجوم، سواء بتقديمهم للمشاهد للمرة الأولى، أو مرافقتهم في تجارب مغايرة، إذ نجح في أن يقدم محمد سعد، للجمهور بشكل مختلف في آخر أفلامه "الدشاش"، ورافق الممثل الكوميدي في عودته إلى خشبة المسرح بـ"وش السعد"، وكلها تجارب حملت روح المغامرة والبحث عن الجديد، كما كان مرافقًا لمحمد هنيدي في عودته إلى الدراما التلفزيونية بمسلسل "مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة" عام 2011، بعد نجاح كبير في السينما.
ومع رامز جلال، كانت له سابقة تقديمه في أولى بطولاته السينمائية "أحلام الفتى الطائش"، التي قدم فيها مزيجًا من الكوميديا والمبالغة بطابع ساخر يحاكي الذوق الجماهيري وقتها.
ولم يكتفِ بذلك، بل كان شاهدًا على التحولات المهنية للممثلين، إذ أخرج فيلم "حملة فريزر" الذي شكَّل أول خطوة حقيقية لثنائي هشام ماجد وشيكو بعيدًا عن أحمد فهمي، وعبر معهما إلى نجاح مهني جديد.
في تجارب سامح عبدالعزيز السينمائية والدرامية، نجد أن معظمها لا تتحدث عن الطبقات الاجتماعية الثرية، بل تنحاز دائمًا إلى البسطاء والحارة المصرية والجمهور في الشارع، وأعماله حملت اهتمامًا خاصًا بالزحام، وفضلت الوجوه القريبة من الواقع، إذ كان يرى أن السينما والدراما التلفزيونية يجب أن تشبه السواد الأعظم من جمهورها.